الأحد، 29 أغسطس 2010

و قولوا للناس حسنا

{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}



مع الله في رمضان (19)


مقال اليوم تكتبه: إحسان أحمد يحيى

 
}الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا{ الكهف وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إن ندًّا وإن وثنا، -جل في علاه- ما رحم عباده بمثل إنزال القرآن، الذي أنزله تبيانًا لكل شيء وهدىً وموعظةً وذكرى، وجعل لتاليه والعاملين من لدنه خيرًا وأجرًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، كانت حياته وأخلاقه للقرآن تفسيرًا وشرحًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديهم، واستن بسنتهم إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا،

يقول ربنا جل و علا:


وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا البقرة: 83


إنها قاعدة تكرر ذكرها في القرآن في أكثر من موضع إما صراحة أو ضمنًا:


فمن المواضع التي توافق هذا اللفظ تقريبًا: قوله -تعالى-: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53].


وقريب من ذلك أمره -سبحانه- بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، فقال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46].


أما التي توافقها من جهة المعنى فكثيرة كما سنشير إلى بعضها بعد قليل.


إذا تأمل في قوله -تعالى-: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]جاءت في سياق أمر بني إسرائيل بجملة من الأوامر وهي في سورة مدنية - وهي سورة البقرة- وقال قبل ذلك في سورة مكية -وهي سورة الإسراء-: أمرًا عامًا {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53].. إذًا فنحن أمام أوامر محكمة، ولا يستثنى منها شيء إلا في حال مجادلة أهل الكتاب -كما سبق-.


ومن اللطائف مع هذه الآية: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، أن هناك قراءة أخرى سبعية لحمزة والكسائي: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنًا}.


قال أهل العلم: "والقول الحسن يشمل: الحسن في هيئته؛ وفي معناه، ففي هيئته: أن يكون باللطف، واللين، وعدم الغلظة، والشدة، وفي معناه: بأن يكون خيرًا؛ لأن كل قولٍ حسنٍ فهو خير؛ وكل قول خير فهو حسن" [1].


وقد أحسن الشاعر أحمد الكيواني حيث قال:


من يغرس الإحسان يجنِ محبة *** دون المسيء المبعد المصروم


أقل العثار تفز، ولا تحسد، ولا *** تحقد، فليس المرء بالمعصوم


إننا نحتاج إلى هذه القاعدة بكثرة، خاصةً وأننا -في حياتنا- نتعامل مع أصناف مختلفة من البشر، فيهم المسلم وفيهم الكافر، وفيهم الصالح والطالح، وفيهم الصغير والكبير، بل ونحتاجها للتعامل مع أخص الناس بنا: الوالدان، والزوج والزوجة والأولاد، بل ونحتاجها للتعامل بها مع من تحت أيدينا من الخدم ومن في حكمهم.


وأنت -أيها المؤمن- إذا تأملتَ القرآن، ألفيت أحوالًا نص عليها القرآن كتطبيق عملي لهذه القاعدة، فمثلًا:


1-تأمل قول الله -تعالى- -عن الوالدين-: {وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] إنه أمرٌ بعدم النهر، وهو متضمن للأمر بضده، وهو الأمر بالقول الكريم، الذي لا تعنيف فيه، ولا تقريع ولا توبيخ.

2- وكذلك -أيضًا- فيما يخص مخاطبة السائل المحتاج: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى: 10] بل بعض العلماء يرى عمومها في كل سائل: سواء كان سائلًا للمال أو للعلم، قال بعض العلماء: "أي: فلا تزجره ولكن تفضل عليه بشيء أورده بقول جميل" [2].


3- ومن التطبيقات العملية لهذه القاعدة القرآنية، ما أثنى الله به على عباد الرحمن، بقوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63]: يقول ابن جرير -رحمه الله- في بيان معنى هذه الآية: "وإذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول، أجابوهم بالمعروف من القول، والسداد من الخطاب" [3].


وهم يقولون ذلك "لا عن ضعف ولكن عن ترفع؛ ولا عن عجز إنما عن استعلاء، وعن صيانة للوقت والجهد أن ينفقا فيما لا يليق بالرجل الكريم المشغول عن المهاترة بما هو أهم وأكرم وأرفع" [4].


ومن المؤسف أن يرى الإنسان كثرة الخرق والتجاوز لهذه القاعدة في واقع أمة القرآن، وذلك في أحوال كثيرة منها:

1- أنك ترى الكثير من غير المسلمين يحرصون على تطبيق هذه القاعدة، من أجل كسب الناس إلى الحياة الدنيا، أفليس أهلُ الإسلام أحق بتطبيق هذه القاعدة، من أجل كسب الخلق إلى هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله لعباده.

2- في التعامل مع الوالدين.
3- في تعامل الزوج مع زوجته.
4- مع الأولاد.
5- مع العمالة والخدم.


وقد نبهت آية الإسراء إلى خطورة ترك تطبيق هذه القاعدة، فقال -سبحانه-: {


} إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُم{الإسراء: 53


وعلى من ابتلي بسماع ما يكره أن يحاول أن يحتمل أذى من سمع، ويعفو ويصفح، وأن يقول خيرًا، وأن يقابل السفه بالحلم، والقولَ البذيء بالحسن، وإلا فإن السفه والرد بالقول الرديء يحسنه كل أحد.

 
وهذه واقعة للإمام مالك -رحمه الله- مع الشاعر الذي قضى عليه بحكم لم يرق له، فتهدده بالهجاء، فقال له مالك:


"إنما وصفتَ نفسك بالسفه والدناءة، وهما اللذان لا يعجز عنهما أي أحد، فإن استطعت أن تأتي الذي تنقطع دونه الرقاب فافعل: الكرم والمروء ".






وماأجمل قول المتنبي:


وكل امرئ يولي الجميل محبب *** وكل مكان ينبت العز طيب




"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، و هب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب"

اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم، و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد"

و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

* كانت رسالة اليوم فى سلسلة "مع الله فى رمضان " وغداً نكمل البقية إن كان فى العمر بقية (إن شاء الله)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق