الأحد، 29 أغسطس 2010

و قولوا للناس حسنا

{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}



مع الله في رمضان (19)


مقال اليوم تكتبه: إحسان أحمد يحيى

 
}الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا{ الكهف وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إن ندًّا وإن وثنا، -جل في علاه- ما رحم عباده بمثل إنزال القرآن، الذي أنزله تبيانًا لكل شيء وهدىً وموعظةً وذكرى، وجعل لتاليه والعاملين من لدنه خيرًا وأجرًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، كانت حياته وأخلاقه للقرآن تفسيرًا وشرحًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديهم، واستن بسنتهم إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا،

يقول ربنا جل و علا:


وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا البقرة: 83


إنها قاعدة تكرر ذكرها في القرآن في أكثر من موضع إما صراحة أو ضمنًا:


فمن المواضع التي توافق هذا اللفظ تقريبًا: قوله -تعالى-: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53].


وقريب من ذلك أمره -سبحانه- بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، فقال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46].


أما التي توافقها من جهة المعنى فكثيرة كما سنشير إلى بعضها بعد قليل.


إذا تأمل في قوله -تعالى-: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]جاءت في سياق أمر بني إسرائيل بجملة من الأوامر وهي في سورة مدنية - وهي سورة البقرة- وقال قبل ذلك في سورة مكية -وهي سورة الإسراء-: أمرًا عامًا {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53].. إذًا فنحن أمام أوامر محكمة، ولا يستثنى منها شيء إلا في حال مجادلة أهل الكتاب -كما سبق-.


ومن اللطائف مع هذه الآية: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، أن هناك قراءة أخرى سبعية لحمزة والكسائي: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنًا}.


قال أهل العلم: "والقول الحسن يشمل: الحسن في هيئته؛ وفي معناه، ففي هيئته: أن يكون باللطف، واللين، وعدم الغلظة، والشدة، وفي معناه: بأن يكون خيرًا؛ لأن كل قولٍ حسنٍ فهو خير؛ وكل قول خير فهو حسن" [1].


وقد أحسن الشاعر أحمد الكيواني حيث قال:


من يغرس الإحسان يجنِ محبة *** دون المسيء المبعد المصروم


أقل العثار تفز، ولا تحسد، ولا *** تحقد، فليس المرء بالمعصوم


إننا نحتاج إلى هذه القاعدة بكثرة، خاصةً وأننا -في حياتنا- نتعامل مع أصناف مختلفة من البشر، فيهم المسلم وفيهم الكافر، وفيهم الصالح والطالح، وفيهم الصغير والكبير، بل ونحتاجها للتعامل مع أخص الناس بنا: الوالدان، والزوج والزوجة والأولاد، بل ونحتاجها للتعامل بها مع من تحت أيدينا من الخدم ومن في حكمهم.


وأنت -أيها المؤمن- إذا تأملتَ القرآن، ألفيت أحوالًا نص عليها القرآن كتطبيق عملي لهذه القاعدة، فمثلًا:


1-تأمل قول الله -تعالى- -عن الوالدين-: {وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] إنه أمرٌ بعدم النهر، وهو متضمن للأمر بضده، وهو الأمر بالقول الكريم، الذي لا تعنيف فيه، ولا تقريع ولا توبيخ.

2- وكذلك -أيضًا- فيما يخص مخاطبة السائل المحتاج: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى: 10] بل بعض العلماء يرى عمومها في كل سائل: سواء كان سائلًا للمال أو للعلم، قال بعض العلماء: "أي: فلا تزجره ولكن تفضل عليه بشيء أورده بقول جميل" [2].


3- ومن التطبيقات العملية لهذه القاعدة القرآنية، ما أثنى الله به على عباد الرحمن، بقوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63]: يقول ابن جرير -رحمه الله- في بيان معنى هذه الآية: "وإذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول، أجابوهم بالمعروف من القول، والسداد من الخطاب" [3].


وهم يقولون ذلك "لا عن ضعف ولكن عن ترفع؛ ولا عن عجز إنما عن استعلاء، وعن صيانة للوقت والجهد أن ينفقا فيما لا يليق بالرجل الكريم المشغول عن المهاترة بما هو أهم وأكرم وأرفع" [4].


ومن المؤسف أن يرى الإنسان كثرة الخرق والتجاوز لهذه القاعدة في واقع أمة القرآن، وذلك في أحوال كثيرة منها:

1- أنك ترى الكثير من غير المسلمين يحرصون على تطبيق هذه القاعدة، من أجل كسب الناس إلى الحياة الدنيا، أفليس أهلُ الإسلام أحق بتطبيق هذه القاعدة، من أجل كسب الخلق إلى هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله لعباده.

2- في التعامل مع الوالدين.
3- في تعامل الزوج مع زوجته.
4- مع الأولاد.
5- مع العمالة والخدم.


وقد نبهت آية الإسراء إلى خطورة ترك تطبيق هذه القاعدة، فقال -سبحانه-: {


} إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُم{الإسراء: 53


وعلى من ابتلي بسماع ما يكره أن يحاول أن يحتمل أذى من سمع، ويعفو ويصفح، وأن يقول خيرًا، وأن يقابل السفه بالحلم، والقولَ البذيء بالحسن، وإلا فإن السفه والرد بالقول الرديء يحسنه كل أحد.

 
وهذه واقعة للإمام مالك -رحمه الله- مع الشاعر الذي قضى عليه بحكم لم يرق له، فتهدده بالهجاء، فقال له مالك:


"إنما وصفتَ نفسك بالسفه والدناءة، وهما اللذان لا يعجز عنهما أي أحد، فإن استطعت أن تأتي الذي تنقطع دونه الرقاب فافعل: الكرم والمروء ".






وماأجمل قول المتنبي:


وكل امرئ يولي الجميل محبب *** وكل مكان ينبت العز طيب




"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، و هب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب"

اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم، و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد"

و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

* كانت رسالة اليوم فى سلسلة "مع الله فى رمضان " وغداً نكمل البقية إن كان فى العمر بقية (إن شاء الله)

هل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة شفاء للأمراض العضوية ؟؟؟

هل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة شفاء للأمراض العضوية ؟؟؟


مع الله في رمضان (18)

مقال اليوم يكتبه: أحمد يحيى عبد الفتاح مهران

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،



سؤال محير يواجه كثير من طوائف المجتمع ، والسؤال هو : هل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة شفاء لكافة الأمراض العضوية ؟؟؟



في حقيقة الأمر فإن الأدلة النقلية الصريحة من كتاب الله ومن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم تؤكد على هذه الحقيقة ، ولا بد قبل الإجابة عن هذا التساؤل من استقراء النصوص القرآنية والحديثية للوقوف على حقيقة الأمر ، وهي على النحو التالي :



* أولاً : النصوص القرآنية الدالة على أن القرآن شفاء :



1)- يقول تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ) ( سورة الإسراء – الآية 82 ) 0



* قال ابن القيم - رحمه الله - : ( والأظهر أن " من " هنا لبيان الجنس فالقرآن جميعه شفاء ورحمة للمؤمنين ) ( إغاثة اللهفان – 1 / 24 ) 0



* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي : ( فالشفاء : الذي تضمنه القرآن ، عام لشفاء القلوب ، ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها ) ( تيسير الكريم الرحمن – باختصار – 3 / 128 ) 0



2)- وقال تعالى : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) ( سورة فصلت – الآية 44 ) 0



قال الشيخ عبدالرحمن السعدي : ( ولهذا قال : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) أي : يهديهم لطريق الرشد ، والصراط المستقيم ، ويعلمهم من العلوم النافعة ما به تحصل الهداية التامة 0 وشفاء لهم من الأسقام البدنية ، والأسقام القلبية ، لأنه يزجر عن مساوئ الأخلاق ، وأقبح الأعمال ، ويحث على التوبة النصوح ، التي تغسل الذنوب ، وتُشفي القلب ) ( تيسير الكريم الرحمن – باختصار – 4 / 403 ) 0



* أقوال أهلم العلم والباحثين على أن القرآن الكريم شفاء للأمراض على اختلاف أنواعها :



قال ابن القيم – رحمه الله - : ( وقد اشتملت الفاتحة على الشفاءين : شفاء القلوب ، وشفاء الأبدان 0

أما تضمنها لشفاء الأبدان : فنذكر منه ما جاءت فيه السنة،ثم ساق - رحمه الله – حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – الى أن قال : فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه ، فأغنته عن الدواء وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء 0

هذا مع كون المحل غير قابل ، إما لكون هؤلاء الحي غير مسلمين ، أو أهل بخل ولؤم ، فكيف إذا كان المحل قابلا ) ( تهذيب مدارج السالكين – باختصار – 53 ، 55 ) 0



وقال - رحمه الله - : ( ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه ، وفقدت الطبيب والدواء ، فكنت أتعالج بها ، آخذ شربة من ماء زمزم ، وأقرؤها عليها مرارا ( يعني فاتحة الكتاب ) ، ثم أشربه ، فوجدت بذلك البرء التام ، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع ، فأنتفع بها غاية الانتفاع ) ( الطب النبوي – ص 178 ) 0



* قال النووي : ( وفي هذا الحديث استحباب الرقية بالقرآن وبالأذكار، وإنما رقى بالمعوذات لأنهن جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلا ، ففيها الاستعاذة من شر ما خلق ، فيدخل فيه كل شيء ، ومن شر النفاثات في العقد ، ومن السواحر ، ومن شر الحاسدين ، ومن شر الوسواس الخناس ، والله أعلم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 351 ، 352 ) 0



قال المناوي : ( قال ابن حجر : وهذا لا يدل على المنع من التعوذ بغير هاتين السورتين بل يدل على الأولوية سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما ، وإنما اكتفى بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الكلم والاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا ) ( فيض القدير - 5 / 202 ) 0



قال النسفي : ( قال ابن عباس : إذا اعتللت أو اشتكيت فعليكم بالأساس – أي فاتحة الكتاب - ) ( تفسير النسفي - 1 / 3 ) 0



* قال الشوكاني : ( واختلف أهل العلم في معنى كونه شفاء على قولين :-

الأول : أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وذهاب الريب وكشف الغطاء عن الأمور الدالة على الله 0

والقول الثاني : أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقي والتعوذ ونحو ذلك 0 ولا مانع من حمل الشفاء على المعنيين من باب عموم المجاز ، أو من باب حمل المشترك على معنييه ) ( فتح القدير – 3 / 253 ) 0



وقال أيضاً : ( أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن وائلة بن الأسقع : أن رجلاً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجع حلقه 0 فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليك بقراءة القرآن والعسل فالقرآن شفاء لما في الصدور والعسل شفاء من كل داء " " قلت : ولم أقف على مدى صحة الحديث آنف الذكر إلا أن معناه صحيح كما يتضح من خلال نصوص الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة الدالة على ذلك " 000 ) ( فتح القدير – 2 / 454 ، أنظر سنن البيهقي الكبرى – 9 / 345 ) 0



* قال السيوطي : ( وأخرج البيهقي عن طلحة بن مصرف قال : كان يقال : أن المريض إذا قرئ عنده القرآن وجد له خفة 0 فدخلت على خيثمة وهو مريض فقلت : إني أراك اليوم صالحا0 قال : إنه قرئ عندي القرآن ) ( الدر المنثور – 3 / 553 ) 0



* روى الخطيب أبو بكر البغدادي – رحمه الله – بإسناده قال : ( أن الرماوي الحافظ الحجة أبي بكر بن منصور كان إذا اشتكى شيئاً قال : هاتوا أصحاب الحديث ، فإذا حضروا ، قال " اقرءوا علي الحديث " قال الإمام النووي : فهذا في الحديث فالقرآن أولى ) ( تذكرة الحافظ - 2 / 546 ، وقد ذكره النووي في " التبيان في آداب حملة القرآن " ) 0



* قال الدكتور محمد محمود عبدالله مدرس علوم القرآن بالأزهر : ( والإيدز ، لا يرتقي إلا أن يكون داء ضمن عامة الأمراض التي تشفيها ( فاتحة الكتاب ) بإذن الله تعالى كدواء معنوي يقرأ على المريض أو يقرأه المريض على نفسه أو يقرأ على ماء يشرب منه ويغتسل ) ( بديع القرآن - ص 40 ) 0



* قال الدكتور عمر يوسف حمزة : ( وقد ذهب عدد من العلماء إلى أن القرآن يتضمن شفاء الأبدان كما تضمن شفاء الروح 0 ومن هؤلاء العلماء الإمام الرازي في التفسير الكبير 21 / 35 والإمام أبو حيان في البحر المحيط 6 / 74 والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 9 / 316 وغيرهم ، وذكروا في تأييد رأيهم بأن القرآن شفاء من الأمراض الجسمانية فلأن الترك بقراءته يدفع كثيراً من الأمراض ، ولما اعترف الجمهور من الفلاسفة وأصحاب الطلسمات بأن لقراءة الرقي المجهولة والعزايم التي لا يفهم منها شيء آثاراً عظيمة في تحصيل المنافع ودفع المفاسد، فلأن تكون قراءة هذا القرآن العظيم المشتمل على ذكر جلال الله وكبريائه وتعظيم الملائكة المقربين وتحقير المردة والشياطين سبباً لحصول النفع في الدين والدنيا كان أولى ويتأكد ما ذكرنا بالأحاديث الصحيحة ) ( التداوي بالقرآن والسنة والحبة السوداء – ص 41 ) 0



* قال الأستاذ سعيد اللحام : ( القرآن الكريم هو هدى وشفاء للذين آمنوا ، وهو شفاء لكل ما تسببه أدواء وأوصاب العقل والنفس والصدر من أمراض ، وهو شفاء أيضاً لبعض ما قدَّره الله على العباد من أمراض ) ( التداوي بالقرآن الكريم – ياختصار – ص 22 ، 23 ) 0



وبالجملة فالقرآن كله خير وشفاء كما أفاد بذلك أهل العلم الأجلاء ، وهو شفاء لأمراض القلوب من حقد وحسد ونميمة ونحوه ، وكذلك شفاء لأمراض الأبدان ، والرقى والتعاويذ من أعظم ما يزيل أثر الأمراض بشكل عام سواء العضوية أو النفسية أو الروحية من صرع وسحر وعين وحسد بعد وقوعها بإذن الله تعالى ، وهناك بعض الآيات أو السور التي ثبت نفعها في الرقية بشكل عام ، كما ثبت وقعها وتأثيرها في إزالة أثر تلك الأمراض على اختلاف أنواعها ومراتبها ، وكل ذلك يحتاج من المريض للإرادة والعزيمة واليقين التام بكل آية بل بكل حرف من كتاب الله عز وجل ، وبكل ما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة المأثورة 0

* كانت رسالة اليوم فى سلسلة "مع الله فى رمضان " وغداً نكمل البقية إن كان فى العمر بقية (إن شاء الله)

الجمعة، 27 أغسطس 2010

من وصايا الإمام علي بن أبي طالب

مع الله في رمضان (17)

مقال اليوم تكتبه: د/ إحسان أحمد يحيى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.


وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهوعلى كل شيئ قدير وإليه المصير .


اليوم أنقل لكم وصايا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لإبنه، و أذكر حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم "أنا مدينة العلم و علي بابها" صدقت يا حبيبي يا رسول الله

" يا بني.. أوصيك بتقوى الله في الغيب والشهادة والرضى عن الله عزّ وجل في الشدة والرخاء. يا بني، ما شر بعده الجنة بشر، ولا خير بعده النار بخير، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية. اعلم يا بني أنه من عيب نفسه شغل عن عيب غيره، ومن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته، ومن سل سيف البغي قُتل به، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها، ومن هتك حجاب أخيه انكشفت عورات بنيه، ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن كابر من الأمور عطب، ومن اقتحم البحر غرق، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن سفه عليهم شتم، ومن سلك مسالك الشر اتهم، ومن خالط الأشرار حقر، ومن جالس الفقهاء وقر، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار.


يا بني، من نظر في عيوب الناس ورضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه، ومن تفطن اعتبر، ومن اعتبر اعتزل، ومن اعتزل سلم، ومن ترك الحسد كان له المحبة من الناس. يا بني، عز المؤمن غناؤه عن الناس، والقناعة مال لا ينفد، ومن أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه، والعجب ممن خاف العقاب فلم يكف، ورجا الثواب فلم يعمل، والذكر نور، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، والسعيد من وعظ بغيره، والأدب خير ميراث، وحسن الخلق خير قرين.


يا بني، ليس مع قطيعة الرحم نماء، ولا مع الفجور غناء. يا بني، العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله تعالى، وواحدة في ترك مجالسة السفهاء، ومن تزين بمعاصي الله في المجلس أورثه الله ذلا، ومن طلب العلم علم. يا بني، رأس العلم الرفق، وآفته الخرق، ومن كنوز الإيمان الصبر على المصائب، العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى.


يا بني، كثرة الزيارة تورث الملالة، الطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم، إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله. يا بني، كم من نظرة جلبت حسرة، وكم من كلمة سلبت نعمة، لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل أعز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا مال أذهب للفاقة من الرضى، ومن اقتصر على لقمة الكفاف فقد تعجل الراحة وتبوأ أحسن الدعة، والحسد مفتاح التعب ومطية النصب وداعٍ إلى التقحُّم في الذنوب، والشره داعٍ إلى مساوئ العيوب، وكفاك أدباً لنفسك ما كهرته لغيرك، لأخيك المؤمن عليك مثل الذي لك عليه، ومن تعرض للأمور بغير نظر في العواقب فقد تعرض لفادحات النوائب، والتدبير قبل العمل يؤمنك الندم، من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، الصبر جنة من الفاقة، البخل جلباب المسكنة، الحرص علامة الفقر، وصول معدم خير من جاف متكبر، ولكل شيء قوت وابن آدم قوت الموت.


يا بني، لا تؤيس مذنبا، فكم عاكف على ذنبه ختم له بالخير، وكم من مقبل على عمله مفسد له في آخر عمره، ومن تحرى القصد خفت عليه الأمور، في خلاف النفس رشدها، الساعات تنقص الأعمار، ربك للباغين من أحكم الحاكمين، وعالم بضمائر المضمرين، بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد، في كل جرعة شرق، ومع كل لقمة غصص، لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى، ما أقرب الراحة من التعب، طوبى لمن أخلص لله علمه وعمله، وحبه وبغضه، وكلامه وصمته، وبخ بخ لعالم علم فكف، وعمل فجد، وخاف البينات فأعد واستعد، إن سئل أفصح، وإن ترك صمت، كلامه صواب وسكوته غير عي عن الجواب، والويل كل الويل لمن بلي بحرمان وخذلان وعصيان، واستحسن لنفسه ما يكرهه الناس له، ويزري على الناس بمثل ما يأتي، من لانت كلمته وجبت محبته، من لم يكن له سخاء ولا حياء فالموت أولى به من الحياة، لا تتم مروءة الرجل حتى لا يبالي أي ثوب لبس ولا أي طعام أكل"

و هنا تنتهي كلمات الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه –اللهم إجعلنا ممن يتعلمون فيعملون.

"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، و هب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب"

اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم، و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد"

و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

* كانت رسالة اليوم فى سلسلة "مع الله فى رمضان " وغداً نكمل البقية إن كان فى العمر بقية (إن شاء الله)

بركة السحور

" مع الله فى رمضان "( 16)


مقال اليوم يكتبه: أحمد يحيى عبد الفتاح مهران
بسم الله الرحمن الرحيم، و الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله, نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :


فقد جاء في الحديث المتفق عليه أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال :
«تسحروا فإن في السحور بركة».
ففي هذا الحديث العظيم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتسحر الذي هو الأكل والشرب وقت السحر, استعداداً للصيام, ويذكر الحكمة فيه وهي حلول البركة. والبركة هي نزول الخير الإلهي في الشيء, وثبوته, وهي الزيادة في الخير, والأجر, وكل ما يحتاجه العبد من منافع الدنيا والآخرة. ومما يلاحظ على بعض الصائمين أنه لا يأبه بوجوبه السحور, ولا بتأخيرها, فربما تركها البتة, وربما تناولها في منتصف أو قبل أن ينام, إما خزفاً من عدم القيام, أو لرغبته في النوم فترة أطول, أو لقلة مبالاته بالسحور مباركاته, أو لجهله بذلك, أو نحو ذلك من الأسباب الأخرى. وهذا خطأ ينبغي للصائم تلافيه, لما فيه من مخالفة السنة, وحرمان بركات السحور, فحري بالصائم أن يتسحر, وأن يؤخر سحوره إلى ما قبل الفجر ولو كان السحور قليلاً, لما في ذلك من الخيرات والبركات العظيمة وإليك أيها الصائم الكريم نبذة عن بعض البركات, والخيرات والأسرار الحاصلة بالسحور :


أولاً : أنه استجابة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وكفى بذلك فضلاً وشرفاً .. قال الله:
{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} [النساء:80],
وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7], وقال:
{وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71].


ثانياً : أن السحور شعار المسلمين, وأن فيه مخالفة لأهل الكتاب, فهو فصل ما بين صيامنا وصيامهم. وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم :
«فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر».

ثالثاً : حصول الخيرية والمحافظة عليها, فعن سهل ابن سعد الساعدي – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
«لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور» [ رواه البخاري ومسلم ].


رابعاً : أن في السحور تقوية على الطاعة, وإعانة على العبادة وزيادة في النشاط والعمل, فإن الجائع الظامئ يكسل عن العبادة والعمل.


خامساً : حصول الصلاة من الله وملائكته على المتسحرين, فعن ابن عمر – رضي الله عنه – مرفوعاً :
«إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين»
[ رواه ابن حبان, والطبراني في الأوسط, وحسنه الألباني ].


سادساً : أن في السحور مدافعة لسوء الخلق الذي يثيره الجوع.
سابعاً : أن وقت السحور وقت مبارك, فهو وقت النزول الإلهي – كما يليق بجلاله – وهذا وقت إجابة الدعوات, وإقالة العثرات, قال صلى الله عليه وسلم
«ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له , من يسألني فأعطيه , من يستغفرني فأغفر له» [متفق عليه]. ولهذا ترى خواص المؤمنين يتعرضون في هذا الوقت الجليل لألطاف ربهم ومواهبه, فيقومون لعبوديته خاشعين, متضرعين, داعين يرجون منه حصول مطالبهم التي وعدهم بها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فالذي يقوم للسحور حري به أن يحصل على هذه الفائدة العظيمة.
ثامناً : أن وقت السحر من أفضل أوقات الاستغفار إن لم يكن أفضلها, كيف وقد أثنى الله – عز وجل – على المستغفرين في ذلك الوقت بقوله
{ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:17], وقوله : {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18].
فالقيام للسحور سبب لإدراك هذه الفضيلة, ونيل بركات الإستغفار المتعددة .


تاسعاً : أن تناول السحور أضمن لإجابة المؤذن بصلاة الفجر, ومتابعته, ولا يخفى ما في ذلك من الأجر والثواب.
عاشراً : أنّه أضمن لإدراك صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة, لأنّ النائم قد تفوته صلاة الفجر. وهذا مشاهد, فإن عدد المصلين في صلاة الصبح مع الجماعة في رمضان أكثر من غيره, من أجل السحور .


حادىعشر : أن تناول السحور – في حد ذاته – عبادة إذا نوى بها التقوى على طاعة الله, والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.


ثاني عشر : أن الصائم إذا تسحر لا يمل إعادة الصيام, بل يشتاق إليه, خلافاً لمن لم يتسحر, فإنه يجد حرجاً ومشقة يثقلان عليه العودة إليه.
ثالث عشر : أن الله – عز وجل – يطرح البركة في عمل المتسحر, فحري به أن يوفق لأن يعمل أعمالاً صالحة في ذلك اليوم, فلا يثقله الصيام عن أداء الصلوات,


ولا الآيتان بالأذكار, ونوافل العبادات والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, بخلاف ما إذا ترك السحور, فإن الصيام يثقله عن الأعمال الصالحة. هذه البركات المتلمسة من التسحر, وبالجملة فإن بركات السحور كثيرة, ولا يمكن الإتيان عليها, والإحاطة بها, فلله – عز وجل – في شرعه حكم وأسرار تحتار فيها العقول, وقد لا تحيط منها إلا بأقل القليل. فحري بنا أن نستحضر هذه المعاني العظيمة وألا نضيع هذه الخيرات الكثيرة, وجدير بنا أن نتواصى بالخير, وأن نذكر أنفسنا وإخواننا بالبر, فنكون بذلك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .. اللهم أنزل علينا من بركاتك, وأدم علينا خيراتك, ووفقنا للعمل بكتابك, وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. أسأل الله العظيم أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما جهلنا وأن يجعل العلم حجة لنا لا علينا ,
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم
وأخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين .

الأربعاء، 25 أغسطس 2010

الفوائد الصحية للصوم


"مع الله فى رمضان"  (15)
الفوائد الصحية للصيام

مقال اليوم تكتبه : د\ إحسان أحمد يحيى


في بداية هذا الموضوع يجب الإشارة إلى أهميته وتشعبه، وأنه يصعب على شخص واحد أن يتكلم حول هذا الموضوع مهما بلغ علمه دون الرجوع إلى مراجع عديدة في هذا المجال.
لذا فقد حاولت استخلاص بعض النقاط الهامة التي تم  إيضاحها في كثير من الكتب والبرامج، وكذلك ما كتبه الزملاء الأطباء عن هذا الموضوع وتطرقهم له من جوانب عديدة

أما فوائد الصوم بشكل عام، فمن المعروف أن الصيام من العبادات التي أمرت به جميع الأديان السماوية، وذلك لفوائده الكثيرة إلا أن الصوم في الإسلام هو أكثرها ملاءمة لطبيعة الإنسان على مر العصور، وذلك لأنه يجمع بين الفائدة وعدم التأثير السلبي على صحة الإنسان، ولذلك نهى النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن صوم الوصال وهو الصوم لأكثر من يوم دون فطور أو سحور؛ لما قد يسببه من تأثير عكسي على صحة المسلم، قال _سبحانه وتعالى_: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج: من الآية78 )
وللصيام فوائد نفسية وفوائد جسدية، فمن الفوائد النفسية

تقوية الإرادة، وتعوّد الإنسان على الصبر، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "الصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان"، كذلك فالصوم له تأثير نفسي غير مباشر فيشعر الصائم بمعاناة الفقراء، وبالتالي يتجه إلى مساعدتهم والتصدق عليهم.

أما من الناحية الجسدية:
أثناء فتره الصيام والتي تمتد من بعد آذان الفجر وحتى آذان المغرب يعتمد الجسم في طاقته وحاجته على لسكر الجلوكوز على وجبه السحور ، إلا أن تلك الوجبة لا تستطيع توفير هذه الطاقة والسكر إلا لساعات معدودة بعدها يجد الجسم نفسه مضطرا للاعتماد على الطاقة وسكر الجلوكوز من المواد السكرية و الدهنية المخزونة في أنسجه الجسم وبهذه الطريقة يتم حرق السكر والدهون المخزونة وتخليص الجسم من السموم المتراكمة

وبديهي أن يبدأ الجسم أولا باستهلاك الخلايا المريضة أو التالفة أو الهرمة ، وبعد الصيام ومع تناول الإفطار تتجدد بناء هذه الخلايا بخلايا جديدة تعطى الجسم قوة ونشاط وحيوية .شهر رمضان فرصة حقيقة لتجديد الشباب وزيادة حيوية وعمل الخلايا وذلك لأن الصوم يؤدى إلى تأثيرين مهمين وهما :

1.
أثناء استهلاك الجسم للمواد المتراكمة منه أثناء فتره الصيام فان من بين هذه المواد المتراكمة الدهون المتراكمة والملتصقة بجدران الأوعية الدموية فيؤدى ذلك إلى إذابتها تماما كما يذيب الماء الثلج ، وبالتالي زيادة تدفق الدم خلال هذه الأوعية وزيادة نسبة الأكسجين والغذاء الواصل إلى الخلايا عبر هذا الدم ، وبالتالي تزداد حيوية وعمل الخلايا ، لذلك نرى أن الشخص الذي يحافظ على الصيام تقل إصابته بمرض تصلب الشرايين وتتأخر عنده علامات الشيخوخة

2.
انتهاء وتحلل الخلايا التالفة واستبدالها بخلايا جديدة ونشطة يزيد من عمل وقوة وظائف الجسم المختلفة لذلك يشعر الإنسان بعد انتهاء شهر الصوم بنقاء جسمه وزيادة طاقته وصفاء نفسه. و يعتبر الصيام علاجا فعالا أو مساعدا لكثير من الأمراض ومن بين هذه الأمراض الذي يؤثر في شفائها وعلاجها الصوم الأتي :

3.
أمراض الحساسية : بعض أمراض الحساسية تزيد بتناول أنواع معينه من الأطعمة بعضها معروف مثل السمك ، البيض ، الشكولاته ، الموز ، والبعض الآخر غير معروف .و أثناء الصيام يستريح الجسم من هذه الأطعمة وبالتالي يشعر مرضى الحساسية براحة كبيرة مع الصيام .

4.
حب الشباب والبشرة الدهنية والدمامل والبثور والتهاب الثنايا يزداد بالوجبات كثيرة الدهون ، وهذه الأمراض تتحسن كثيرا بالصيام .

5.
يخفف الصيام من أعراض وعلامات فشل القلب وذلك لأن الصيام يقلل من شرب السوائل ويقلل من تناول الأغذية، إضافة إلى إذابة الدهون من الأوعية الدموية يحسن من عمل القلب وبالتالي يقلل من أعراض مرض القلب عند المصابين به.

6.
السمنة أو زيادة الوزن : يعتبر شهر رمضان طبيب تخسيس مجاني وفرصة عظيمة لذوى الوزن الزائد بشرط أن يتم الالتزام بشروط شهر رمضان الصحية كالاعتدال في الأكل وزيادة الحركة والإقلال من النوم والكسل .
7. يعالج الصوم كثيرا من مشكلات الجهاز الهضمي مثل زيادة الحموضة والقولون العصبي وعسر الهضم وانتفاخات البطن ذلك لان امتناع الشخص الصائم عن الأكل والشرب طوال فترة الصوم يعطي فرصة لعضلات وأغشية الجهاز الهضمي بأن تتقوى وتزداد عملها وحيويتها. كما يلعب العامل النفسي دور كبيرا في شفاء بعض علل الجهاز الهضمي مثل القولون العصبي وذلك نتيجة لما يسببه شهر رمضان من السعادة والبهجة و طمأنينة النفس و هدوء البال.

لكن هل يجني كل صائم فوائد الصوم الصحية ؟

للأسف الشديد فكما أن بعض الصائمين يحرم من الأجر كما أخبر بذلك المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) : (( رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش )) وهم الصائمين الذين لا يصومون عن الغيبة والنميمة وإثارة الفتن واللعن وغش الناس وغيرها من حدود الله عز وجل ، فان هناك أيضا من الصائمين من يحرم من فوائد شهر رمضان الصحية وهم الذين يسرفون في الأكل أثناء ليل رمضان أو الذين لا يتحركون أثناء نهار رمضان ويقضى كل نهاره في النوم ، وهؤلاء يحرمون من فوائد الصوم الصحية لأن جسم الإنسان أثناء النوم لا يحتاج إلى طاقة كبيرة وبالتالي ليس بحاجة أن يحرق المواد الغذائية المخزونة فيه ، وبالتالي يخسر هذا الشخص أهم فائدة يعتمد على أساسها الفوائد الأخرى وهى حرق وإذابة المواد السكرية و الدهنية و البروتينية المخزنة في الجسم .

الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

أخلاق النبي كأنك تراه (4)




"مع الله فى رمضان"  (14)

                  " أخلاق النبى و كأنك تراه"
الجزء الرابع :

مقال اليوم يكتبه : أحمد يحيى عبدالفتاح مهران
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة أفضل من صام وقام وذكر الله تعالى صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد :
محمد صلى الله عليه وسلم حليما:

  ما دام أنه رسول الله فلا بد أن يكون أحلم الناس وأوسعهم صدرا، وألينهم عريكة وأدمثهم خلقا وألطفهم عشرة، فقد كان يطظم غيظه ويعفو ويصفح ويغفر لمن زلّ، ويتنازل عن حقوقه الخاصة ما لم تكن حقوقا لله. وقد عفا عمن ظلمه وطره من وطنه وآذاه وسبّه وشتمه وحاربه، فقال لهم يوم الفتح:" اذهبوا فأنتم الطلقاء" أخرجه الشافعي في الأم 7\361، والطبري في تاريخه 2\161 والبيهقي في السنن الكبرى 18055 انظر صحيح الجامع 4815. وعفا عن ابن عمّه سفيان بن الحارث يوم الفتح لما وقف أمامه وقال له: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، فقال عليه الصلاة والسلام:{ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)} يوسف.

  وقد واجهه الأعراب بالجفاء وسوء الأدب، فحلم وصفح، وقد امتثل أمر ربه في قوله:{ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)} الحجر، فكان لا يكافئ على السيئة بالسيئة، بل يعفو ويصفح، وكان لا ينفذ غضبه إذا كان لنفسه، ولا ينتقم لشخصه، بل إذا غضب ازداد حلما، وربّما تبسّم في وجه من أغضبه، ونصح أحد أصحابه فقال:"لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب" أخرجه البخاري 6116.

  وكان يبلغه الكلام السيء فيه، فلا يبحث عمن قاله ولا يعاتبه ولا يعاقبه. وورد عنه أنه قال:" لا يبلغني أحد منكم ما قيل فيّ، فإني أحب أن أخرج إليك وأنا سليم الصدر" أخرجه احمد 3750 وأبو داود 4860 والترمذي 3896 عن عبدالله بن مسعود. وبلّغه ابن مسعود كلاما قيل فيه، فتغيّر وجهه وقال:" رحم الله موسى، أوذي بأكثر من هذا فصبر" أخرجه البخاري [ 3150، 3405] ومسلم 1062.

  وقد أوذي من خصومه في رسالته وعرضه وسمعته وأهله، فلما قدر عليهم عفا عنهم وحلم عليهم، وقال:" من كف غضبه كف الله عنه عذابه" أخرجه أبو يعلى 4338 والبيهقي في الشعب 8311 وانظر العلل لابن أبي حاتم 1919 ومجمع الزاوئد 10\298. وقال له رجل: اعدل، فقال:" خبت وخسرت إذا لم أعدل" أخرجه البخاري 3138 ومسلم 1063 واللفظ له عن جابر بن عبدالله، ولم يعاقبه بل صفح عنه. وواجه بعص اليهود بما يكره، فعفا وصفح، وقد وسع بخلقه وتسامحه الناس، وأطفأ بحلمه نار العداوات ممتثلا قول ربه:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)} المؤمنون.

 وكان مع أهله أحلم الناس، يمازحهم ويلاطفهم ويعفو عنهم فيما يصدر منهم، ويدخل عليهم باسما ضحاكا، يملأ قلوبهم وبيوتهم أنسا وسعادة، يقول خادمه أنس بن مالك: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ما قال لي في شيء فعلته: لم فعلت هذا؟ ولا شيء لم أفعله: لم لم تفعل هذا؟ وهذا غاية الحلم ونهاية حسن الخلق، وقمة جميل السجايا ولطيف العشرة، بل كان كل من رافقه أو صاحبه أو بايعه يجد من لطفه وودّه وحلمه ما يفوق الوصف، حتى تمكن حبّه من القلوب فتعلقت به الأرواح ومالت له نفوس الناس بالكلية:

وإذا رحمت فأنت أمّ أو أب
هذان في الدنيا هم الرحماء
وإذا سخوت بلغت بالجود المدى
وفعلت ما لم تفعل الأنواء
وإذا صحبت رأى الوفاء مجسّما
في بُردك الأصحاب والخلطاء
وأبديت حلمك للسفيه مداريا
حتى يضيق بحلمك السفهاء


محمد صلى الله عليه وسلم رحيما:

  وصفه ربه بقوله:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)}الأنبياء، فهو رحمة للبشرية.. ورد عنه أنه قال:" إنما أنا رحمة مهداة" أخرجه الدارمي 15 مرسلا، والحاكم موصولا عن أبي هريرة برقم 100 وصححه. ورأى ولد إحدى بناته تفيض روحه، فبكى، فلما سئل عن ذلك قال:" هذه رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباه الرحماء" أخرجه البخاري [ 1284، 6655] ومسلم 923 عن أسامة بن زيد رضي الله عنه.

  وكان رحمة على القريب والبعيد، عزيز عليه أن يدخل على الناس مشقة، فكان يخفف بالناس مراعاة لأحوالهم، وربما أراد أن يطيل في الصلاة فيسمع بكاء الطفل فيخفف لئلا يشق على أمه. ولما بكت أمامة بنت زينب ابنته حملها وهو يصلي بالناس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها.  أخرجه البخاري 516، ومسلم543 عن أبي قتادة رضي الله عنه.
وسجد مرة فصعد الحسن على ظهره، فأطال السجود، فلما سلّم اعتذر للناس وقال:" إن إبني هذا ارتحلني، فكرهت أن أرفع رأسي حتى ينزل" أخرجه أحمد 27100 والنسائي 1141 عن شداد بن الهاد رضي الله عنه. وقال:" من أمّ منكم الناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والصغير والمريض وذا الحاجة" أخرجه البخاري 703 ومسلم 467 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقال لمعاذ لمّا طوّل بالناس:" أفتّان أنت يا معاذ؟" أخرجه البخاري [ 705، 6106] ومسلم 465 عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه. وقال:" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" أخرجه البخاري 887 ومسلم 252 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وربما ترك العمل خشية أن يفرض على الناس، وكان يتخوّل أصحابه بالموعظة...

  كل ذلك رحمة منه صلى الله عليه وسلم، وكان يقول:" والقصد القصد تبلغوا" أخرجه البخاري 6463 عن أبي هريرة رضي الله عنه. ويقول:" بُعثت بالحنيفية السمحة" أخرجه أحمد 21788 عن أبي أمامة رضي الله عنه. ويقول:" خير دينكم أيسره" أخرجه أحمد 15506 وانظر مجمع الزوائد 3\308. ويقول:" عليكم هدياً قاصداً" أخرجه أحمد [ 22454، 22544] والبيهقي في السنن الكبرى 4519 عن بريدة الأسلمي، وانظر البيان والتعريف 2\109. ويقول: خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا" أخرجه البخاري 5862 ومسلم 782 عن عائشة رضي الله عنها. وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وأنكر على الثلاثة الذين شدّدوا على أنفسهم في العبادة، وقال:" والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكنني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فيس مني" أخرجه البخاري 5063 ومسلم  1401 عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وأفطر في سفر في رمضان، وقصر الرباعية، وجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في السفر، ونادى مؤذنه في المطر أن صلوا في رحالكم، وقال:" هلك المتنطعون" أخرجه مسلم 2670 عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. وقال:" ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه" أخرجه مسلم 2594 عن عائشة رضي الله عنها. وأنكر على عبدالله بن عمرو بن العاص إرهاق نفسه بالعبادة، ويقول:" إيّاكم والغلو" أخرجه أحمد [ 1854، 3238] والنسائي 3057، وابن ماجه 3029 وابن أبي عاصم في السنة 1\46 عن ابن عباس رضي الله عنهما وصححه. ويروى عنه قوله:" أمتي أمة مرحومة" أخرجه أحمد [ 19179، 19253] وأبو داود 4276 والحاكم 8372 عن أبي موسى رضي الله عنه وصححه.، وقال:" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" أخرجه البخاري 7288 ومسلم 1337 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وهذا اليسر في حياته عليه الصلاة والسلام يوافق يسر الملة وسهولة الشريعة، وهو امتثال منه صلى الله عليه وسلم لقول ربه:{ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8)} الأعلى، {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } البقرة 286، {فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } التغابن 16،{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } القرة 185،{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج 78.. وغيرها من الآيات.

  فهو صلى الله عليه وسلم سهل ميسّر رحيم في رسالته ودعوته وعبادته وصلاته وصومه وطعامه وشرابه ولباسه وحله وترحاله وأخلاقه، بل حياته مبنية على اليسر؛ لأنه جاء لوضع الآصار والأغلال عن الأمة، فليس اليسر أصلا إلا معه، ولا يوجد اليسر إلا في شريعته، فهو اليسر كله، وهو الرحمة والرفق بنفسه، صلى الله عليه وسلم.

محمد صلى الله عليه وسلم ذاكرا:

  كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس ذكرا لربه، حياته كلها ذكر لمولاه، فدعوته ذكر وخطبه ذكر ومواعظه ذكر وعبادته ذكر وفتاويه ذكر، وليله ونهاره وسفره وإقامته بل أنفاسه كلها ذكر لمولاه عز وجل، فقلبه معلق بربه، تنام عينه ولا ينام قلبه، بل النظر اليه يذكّر الناس بربّهم، وكل مراسيم حياته ومناسباته وذكر لخالقه جلّ في علاه.

  وكان صلى الله عليه وسلم يحث الناس على ذكر ربهم، فيقول:"سبق المفردون: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات" أخرجه مسلم 2676 عن أبي هريرة رضي الله عنه، ويقول:" مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحيّ والميت" أخرجه البخاري 6407 ومسلم 779 عن أبي موسى رضي الله عنه. ويقول:" لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله" أخرجه أحمد [ 17227، 17245] والترمذي 3375 وابن ماجه 3793 انظر المشكاة 2279. وأخبر أن أفضل الناس أكثرهم ذكرا لربه، وروى عن ربّه عز وجل قوله:" أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت شفتاه" أخرجه البخاري معلقا في كتاب التوحيد، باب قول الله { لاتحرك به لسانك}، وأحمد[10585، 10592] زابن ماجه3792 عن أبي هريرة رضي الله عنه. ويقول:" من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" أخرجه البخاري 7405 ومسلم 2675 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وله عليه الصلاة والسلام عشرات الأحاديث الصحيحة التي تحث على الذكر وترغّب فيه، والتهليل والتسبيح والتحميد والتكبير والحوقلة والاستغفار والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.

  وكان يذكّر الناس بأجر الذكر وما يترتب على ذلك من ثواب، وذكر الأعداد في ذلك مع ذكر المناسبات، وعمل اليوم والليلة، فهو صلى الله عليه وسلم الذاكر الشاكر الصابر، وهو الذي ذكّر الأمة بربها وعلمها تعظيمه وتسبيحه، وبيّن لها فوائد الذكر ومنافعه. فهو أسعد الناس بذكر ربه، وأهنؤهم عيشا بهذه النعمة، وأصلحهم حالا بهذا الفضل، فكان له أوراد من الأذكار مع حضور قلب وخشوع وخضوع وهيبة وخوف ومحبة ورجاء وطمع في فضل ربه.


*غدا جزء جديد مع أخلاق النبى .

للمزيد قم بزيارة المدونة الأسلامية "الهجرة إلى الله " على الرابط التالى  ...... http://hegratoallah.blogspot.com/

أخلاق النبي كأنك تراه (3)




"مع الله فى رمضان"  (11)

                  " أخلاق النبى و كأنك تراه"
الجزء الثالث:

مقال اليوم يكتبه : أحمد يحيى عبدالفتاح مهران
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة أفضل من صام وقام وذكر الله تعالى صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد :
محمد صلى الله عليه وسلم جوادا:

  فهو أكرم من خلق الله، وأجود البرية نفسا ويدا، فكفّه غمامة بالخير، ويده غيث الجود، بل هو أسرع بالخير من الريح المرسلة، لا يعرف "لا" إلا في التشهد:

كا قال "لا" قط إلا في تشهدّه
لولا التشهد كانت لاؤه نعم

  يعطي عليه الصلاة والسلام عطاء من لا يخشى الفقر؛ لأنه بعث بمكارم الأخلاق، فهو سيد الأجواد على الإطلاق، أعطى غنما بين جبلين، وأعطى كل رئيس قبيلة من العرب مائة ناقة، وسأله سائل ثوبه الذي يلبسه فخلعه وأعطاه، وكان لا يردّ طالب حاجة، قد وسع الناس برّه، طعامه مبذول وكفه مدرار، وصدره واسع، وخلقه سهل، ووجه بسّام:

          تراه إذا ما جئته متهللا
                                      كأنك تعطيه الذي أنت سائله

  ينفق مع العدم ويعطي مع الفقر، يجمع الغنائم ثو يوزعها في ساعة، ولا يأخذ منها شيئا، مائدته صلى الله عليه وسلم معروضة لكل قادم، وبيته قبلة لكل وافد، يضيف وينفق ويعطي الجائع بأكله، ويؤثر المحتاج بذات يده، ويصل القريب بما يملك، ويواسي المحتاج بما عنده، ويقدّم الغريب على نفسه، فكان صلى الله عليه وسلم آية في الجود والكرم، حتى لا يقارن به أجواد العرب كحاتم وهرم ابن جدعان؛ لأنه  يعطي عطاء من لا يطلب الخلف إلا من الله، ويجود جود من هانت عليه نفسه  وماله وكل ما يملك في سبيل ربه ومولاه، فهو أندى العالمين كفا، وأسخاهم يدا، وأكرمهم محتدا، قد غمر أصحابه وأحبابه وأتباعه، بل حتى أعداءه ببرّه وإحسانه وجوده وكرمه وتفضله، أكل اليهود على مائدته، وجلس الأعراب على طعامه، وحفّ المنافقون بسفرته، ولم يُحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه تبرّم بضيف أو تضجّر من سائل أو تضايق من طالب، بل جرّ أعرابي برده حتى أثّر في عنقه وقال له: أعطني من مال الله الذي عندك، لا من مال أبيك وأمّك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وضحك وأعطاه، وجاءته الكنوز من الذهب والفضة وأنفقها في مجلس واحد ولم يدّخر منها درهما ولا دينارا ولا قطعة، فكان أسعد بالعطية يعطيها من السائل، وكان يأمر بالإنفاق والكرم والبذل، ويدعو للجود والسخاء، ويذمّ البخل والإمساك، فيقول:" من كان بؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" أخرجه البخاري [ 6018، 6136، 6138] ومسلم 47 عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال:" كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس" أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 2431، وابن حبان في صحيحه 3310. وقال:" ما نقصت صدقة من مال" أخرجه مسلم 2588 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

محمد صلى الله عليه وسلم شجاعا:

  هذا مما تناقلته الأخبار وسار مسير الشمس في رابعة النهار، فكان أثبت الناس قلبا، وكان كالطود لا يتزعزع ولا يتزلزل، ولا يخاف التهديد والوعيد، ولا ترهبه المواقف والأزمات، ولا تهزه الحوادث والملمّات، فوّض أمره لربه وتوكل عليه وأناب إليه، ورضي بحكمه واكتفى بنصره ووثق بوعده، فكان عليه الصلاة والسلام يخوض المعارك بنفسه ويباشر القتال بشخصه الكريم، يعرّض روحه للمنايا ويقدّم نفسه للموت، غير هائب ولا خائف، ولم يفرّ من معركة قط، وما تراجع خطوة واحدة ساعة يحمي الوطيس وتقوم الحرب على ساق وتشرع السيوف وتمتشق الرماح وتهوي الرؤوس ويدور كأس المنايا على النفوس، فهو في تلك اللحظة أقرب أصحابه من الخطر، يحتمون أحيانا وهو صامد مجاهد، لا يكترث بالعدوّ ولو كثر عدده، ولا يأبه بالخصم ولو قوي بأسه، بل كان يعدل الصفوف ويشجع المقاتلين ويتقدم الكتائب.

  وقد فرّ الناس يوم حنينن وما ثبت إلا هو وستة من أصحابه، ونزل عليه {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} النساء 84، وكان صدره بارزا للسيوف والرماح، يصرع الأبطال بين يديه ويذبح الكماة أمام ناظريه وهو باسم المحيا، طلق الوجه، ساكن النفس.

          وقفت وما في الموت شك لواقف
                                      كأنك في جفن الرّدى وهو نائم
          تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة
                                      ووجهك وضّاح وثغرك باسم

  وقد شُجّ عليه الصلاة والسلام في وجهه وكسرت رباعيته، وقتل سبعون من أصحابه، فما وهن ولا ضعف ولا خار، بل كان أمضى من السيف. وبرز يوم بدر وقاد المعركة بنفسه، وخاض غمار الموت بروحه الشريفة. وكان أول من يهبّ عند سماع المنادي، بل هو الذي سنّ الجهاد وحثّ وأمر به.

  وتكالبت عليه الأحزاب يوم الخندق من كل مكان، وضاق الأمر وحلّ الكرب، وبلغت القلوب الحناجر، وظن بالله الظنون، وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا، فقام صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو ويستغيث مولاه حتى نصره ربّه وردّ كيد عدوّه وأخزى خصومه وأرسل عليهم ريحا وجنودا وباؤوا بالخسران والهوان.

  ونام الناس ليلة بدر وما نام هو صلى الله عليه وسلم، بل قام يدعو ويتضرّع ويتوسل الى ربه ويسأله نصره وتأييده، فيا له من إمام وما أشجعه! لا يقوم لغضبه أحد، ولا يبلغ مبلغه في ثبات الجأش وقوة القلب مخلوق، فهو الشجاع الفريد والصنديد الوحيد الذي كملت فيه صفات الشجاعة وتمّت فيه سجايا الإقدام وقوة البأس، وهو القائل:" والذي نفسي بيده لوددت أنني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل" أخرجه البخاري [36،2797] ومسلم 1876 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

محمد صلى الله عليه وسلم زاهدا:

  كان زهده صلى الله عليه وسلم زهد من علم فناء الدنيا وسرعة زوالها وقلة زادها وقصر عمرها، وبقاء الآخرة وما أعدّه الله لأوليائه فيها من نعيم مقيم وأجر عظيم وخلود دائم، فرفض صلى الله عليه وسلم الأخذ من الدنيا إلا بدقر ما يسدّ الرمق ويقيم الأود، مع العلم أن الدنيا عرضت عليه وتزيّنت له وأقبلت إليه، ولو أراد جبال الدنيا أن تكون ذهبا وفضة لكانت، بل آثر الزهد والكفاف، فربما بات جائعا ويمرّ الشهر لا توقد في بيته نار، ويستمر الأيام طاويا لا يجد رديء التمر يسدّ به جوعه، وما شبع من خبز الشعير ثلاث ليال متواليات، وكان ينام على الحصير حتى أثّر في جنبه، وربط الحجر على بطنه من الجوع، وكان ربما عرف أصحابه أثر الجوع في وجهه عليه الصلاة والسلام.

  وكان بيته من طين، متقارب الأطراف، داني السقف، وقد رهن درعه في ثلاثين صاعا من شعير عند يهودي، وربما لبس إزارا ورداء فحسب، وما أكل على خوان قط، وكان أصحابه ربما أرسلوا له الطعام لما يعلمون من حاجته إليه، كل ذلك إكراما لنفسه عن أدران الدنيا، وتهذيبا لروحه وحفظا لدينه ليبقى أجره كاملا عند ربه، وليتحقق له وعد مولاه { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)} الضحى، فكان يقسم الأموال على الناس ثم لا يحوز منها درهما واحدا، ويوّزع الإبل والبقر والغنم على الأصحاب والأتباع والمؤلفة قلوبهم ثم لا يهب بناقة ولا بقرة ولا شاة، بل يقول عليه الصلاة والسلام:" لو كان لي كعضاة ـ أي شجر ـ تهامة مالا لقسمته ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا". أخرجه مالك في الموطأ 977، والطبراني في الأوسط 1864 والكامل لابن عدي 3\97.

          وراودته الجبال الشمّ من ذهب
                                      عن نفسه فأراها أيما شمم
         
  بل وكان عليه الصلاة والسلام الأسوة العظمى في الإقبال على الآخرة وترك الدنيا وعدم الإلتفات إليها أو الفرح بها أو جمعها أو التلذذ بطيباتها أو التنعم بخيراتها، فلم يبن قصرا، ولم يدّحر مالا، ولم يكن له كنز ولا جنة يأكل منها، ولم يخلف بستانا ولا مزروعة، وهو القائل:" لا نورّث، ما تركناه صدقة" أخرجه البخاري [3039، 3712] ومسلم برقم 1758، وكان يدعو بقوله وفعله وحاله الى الزهد في الدنيا والاستعداد للآخرة والعمل.

  ما نظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو إمام المسلمين وقائد المؤمنين وأفضل الناس أجمعين يسكن في بيت طين وينام على حصير بال ويبحث عن تمرات تقيم صلبه، وربما اكتفى باللبن.

  بل خُيّر بين أن يكون ملكا رسولا أو عبدا رسولا فاختار أن يكون عبدا رسولا، يشبع يوما ويجوع يوما، حتى لقي الله عز وجل.

  ومن زهده في الدنيا سخاؤه وجوده كما تقدم، فكان لا يرد سائلا ولا يحجب طالبا ولا يخيّب قاصدا، وأخبر أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وقال:" كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل" أخرجه البخاري 6416 عن ابن عمر رضي الله عنهما. ويروى  عنه أنه قال:" ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" أخرجه ابن ماجه 4102 والطبراني في الكبير 10522 والحاكم 7833 عن سهل بن سعد الساعدي. وقال:" مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل رجل قال في ظل شجرة ثم قام وتركها" أخرجه أحمد [3701، 4196] والترمذي 2377، وابن ماجه 4109 عن عبدالله بن مسعود وقال الترمذي حسن صحيح، وقال:" الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما" أخرجه الترمذي 2322 وابن ماجه 4112 عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال:" ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت" أخرجه مسلم 2958.



محمد صلى الله عليه وسلم متواضعا:

  كان صلى الله عليه وسلم عجيبا في ذلك، فتواضعه تواضع من عرف ربّه مهابة، واستحيا منه وعظمه وقدّره حقّ قدره، وتطامن له وعرف حقارة الجاه والمال والمنصب، فسافرت روحه الى الله وهاجرت نفسه الى الدار الآخرة، فما عاد يعجبه شيء مما يعجب أهل الدنيا، فصار عبدا لربه بحق: يتواضع للمؤمنين، يقف مع العجوز ويزور المريض ويعطف على المسكين، ويصل البائس ويواسي المستضعفين ويداعب الأطفال ويمازح الأهل ويكلم الأمة، ويواكل الناس ويجلس على التراب وينام على الثرى، ويفترش الرمل ويتوسّد الحصير، قد رضي عن ربّه، فما طمع في شهرة أو منزلة أو مطلب أرضي أو مقصد دنيوي، يكلم النساء بلطف، ويخاطب الغريب بودّ، ويتألف الناس ويتبسّم في وجوه أصحابه يقول:" إنما أنا عبد: آكل كما يأكل العبد واجلس كما يجلس العبد" أخرجه ابن أبي عاصم في الزهد 1\6، وابن سعد في الطبقات 1\371 وانظر كشف الخفاء 1\17 ، ولما رآه رجل ارتجف من هيبته قال:"هوّن عليك، فإني ابن امرأة كانت تاكل القديد بمكة" أخرجه ابن ماجه 3312، والحاكم 4366 عن ابن مسعود، وانظر الكامل لابن عدي 6\286.

  وكان يكره المدح، وينهى عن إطرائه ويقول:" لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبدالله ورسوله، فقولوا عبدالله ورسوله" أخرجه البخاري 3445 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكان ينهى أن يقام له، وأن يوقف على رأسه، وكان يجلس حيثما انتهى به المجلس، وكان يختلط بالناس كأنه أحدهم، ويجيب الدعوة ويقول:" لو دعيت الى كراع لأجبت، ولو أهدي إليّ ذراع لقبلت" أخرجه البخاري [2568، 5178].

  وكان يحب المساكين، ويروى عنه قوله:" اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين" أخرجه الترمذي 2352  عن أنس رضي الله عنه، وابن ماجه 4126 والحاكم 7911 عن أبي سعيد الخدري وصححه. وكان يحرّم الكبر وينهى عنه، ويبغض أهله ويقول:" يحشر المتكبرون يوم القيامة في صورة الذر، يغشاهم الذل من كل مكان" أخرجه أحمد 6639، والترمذي 2492، انظر كشف الخفاء 3236. ويروي عن ربه أنه قال:"الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منها قذفته في النار" أخرجه مسلم 2620 وأبو داود 4090 واللفظ له.

  فكان صلى الله عليه وسلم محببا الى القلوب: تأخذه الجارية بيده فيذهب معها، ويزور أم أيمن وهي مولاة. ولما مدحه وفد عامر بن صعصعة وقالوا: أنت خيرنا وأفضلنا وسيدنا وابن سيدنا قال لهم:" يا أيها الناس! قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، لا يستجريّنكم الشيطان" أخرجه أحمد 15876 وأبو داود 4806، وغضب لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت، وقال:" ويحك! أجعلتني والله عدلا؟ بل ما شاء الله وحده" أخرجه أحمد [1842، 2557] والنسائي في السنن الكبرى 10825 عن ابن عباس رضي الله عنهما.

  وكان يحمل حاجة أهله ويخصف نعله ويرقع ثوبه ويكنس بيته ويحلب شاته ويقطع اللحم مع أهله، ويقرّب الطعام لضيفه، ويباسط زوّاره ويسأل عن اخبارهم، ويتناوب ركوب الراحلة مع رفيقه، ويلبس الصوف ويأكل الشعير، وربما مشى حافيا، وينام في المسجد، ويركب الحمار، ويردف على الدابة، ويعاون الضعيف ويتفقد السرية، ويكون في آخرهم فيساعد من احتاج، ويرافق الوحيد منهم..

  فصلى الله عليه وسلم ما تحرّك بذكره اللسان، وسارت بأخباره الركبان، وردّد حديثه الإنس والجان

*غدا جزء جديد مع أخلاق النبى .

للمزيد قم بزيارة المدونة الأسلامية "الهجرة إلى الله " على الرابط التالى  ...... http://hegratoallah.blogspot.com/

الأحد، 22 أغسطس 2010

ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا

و ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا



مقال اليوم تكتبه: د\ إحسان أحمد يحيى


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.


وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهوعلى كل شيئ قدير وإليه المصير .


الظلم إحساس قاس، و العفو سلوك صعب... يقول الإمام علي بن إبي طالب كرم الله وجهه "متى أشفي غيظي إذا غضبت أحين أقدر على الجزاء فيقال لي –لو عفوت- أم حين أعجز عنه فيقال لي – لو صبرت-"


يقول الإمام محمد عبده في تعقيبه عن تلك المقولة في كتاب نهج البلاغة- أي أنه لا يجوز للمؤمن التشفي في أي حال فإن كان قادرا على العقوبة فالعفو أولى و إن لم يقدر فالصبر أولى.


كم من شخص يعيش بيننا قد أخطأ علينا يوما من الأيام، والكثير منهم ربما ظلمنا ، البعض تكلم علينا ظلما وبهتانا، وآخرون ربما منعونا بعض حقوقنا، وأناس وقفوا مع من ظلمنا أو شهدوا علينا زورا وبهتانا، ومنهم الذي سب وشتم ومنهم الذي أشاع الأكاذيب ولفق الأحاديث ونشرها في الآفاق، فبين مغتاب وغام وقاذف وشاتم في الخلق، سمعنا بعضهم وخفي علينا أخرون.


و ها قد قاربنا منتصف هذا الشهر الفضيل، ليالي المغفرة والتوبة، لحظات العفو والرحمة، فإن الذي يطلب من الله العفو والصفح من خطاياه فيبدأ بنفسه أولا وليعف عن خلق الله ليعفو الله عنه، فإن العفو عن الناس سبب لعفو الله عنا، قال تعالى:


{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [سورة النور: 22]


صحيح أن الإنسان مخير بين أخذ حقه ممن ظلمه وبين العفو عنه، لكن العفو مرتبة عاليا يحبها الله جل وعلا


{وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} [سورة البقرة: 237]


، والعفو عن الذي ظلمنا ليس نوعا من الذل أو الضعف، بل هي قربة إلى الله جل وعلا، عزة ورفعة كما جاء في قول رسول الله (صلى الله عليه و سلم):


"وما زاد الله عبدا بعفو إلا عـزا" رواه مسلم






كم من خطأ يحصل بين الأسر والأرحام والأصحاب والعاملين وغيرهم، لكن أهل التقوى من صفاتهم أنهم كما قال الله تعالى فيهم:


{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} سورة آل عمران: 134






لقد ظلم نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أشد الظلم، وأخرج من بلده، وقذف بالحجارة وحورب سنوات طوال، وشج وجهه وقتل أحب الناس اليه، لكنه لما قدر على من ظلمه وفتح مكة عفا عن الظالمين واطلقهم وقال كلمته المشهودة (اذهبوا فانتم الطلقاء.


وجاء في الحديث أن رجلين يأتيان عند الله يوم القيامة فيقول أحدهما وهو المظلوم: "يا رب خذ لي بحقي منه"، فيرفع الله له قصورا ومدائن من ذهب وفضة، فيعجب الرجل ويقول: "يا رب لأي نبي هذا؟!، لأي شهيد هذا؟!"، فيقول الله تعالى له: "هذا لمن أعطى الثمن"، فيقول العبد: "ومن يملك ثمن هذا؟!"، فيقول الله له: "أنت تملك الثمن"، فيقول العبد: "وما ثمنه يا رب"، فيقول جل جلاله: "أن تعفو عن أخيك"، فيعفو مسرعا عن أخيه فيقول الله تعالى له: "خذ بيد أخيك وادخل معه إلى هذه الجنة" [ضعفه الألباني بلفظ آخر للحديث].






العفو خلق عظيم، وسلامة الصدر من الشحناء والبغضاء صفة جليلة، ومن أحب أن يعتقه الله من النار في هذه الأيام فليتصدق بالعفو عن ظلمه، فإن هذه الصدقة من أفضل الصدقات، فأهل الإيمان يدعو ربهم ألا يجعل قلوبهم غلا للذين آمنوا، وإذا خلدوا لنومهم صفوا قلوبهم من الأحقاد والضغائن.






فهيا نسارع إلي عفو ربنا، رددوا معي:






إنني أشهد الله جلا جلاله أنني عفوت عن كل من ظلمني بقول أو بفعل في زمن سابق أو لاحق ولا أطلب من أحد شيئا، وأسأل الله أن يغفر لي ولكل إخواني المؤمنين ويجمعني بهم في جنات النعيم، اللهم آمين.






"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، و هب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب"


اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم، و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد"


و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


* أخوتى فى الله هذه كانت رسالة اليوم فى سلسلة "مع الله فى رمضان " وغداً نكمل البقية إن كان فى العمر بقية (إن شاء الله)

أخلاق النبي و كأنك تراه (2)




"مع الله فى رمضان" (10)


" أخلاق النبى و كأنك تراه"


الجزء الثاني :


مقال اليوم يكتبه : أحمد يحيى عبدالفتاح مهران


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة أفضل من صام وقام وذكر الله تعالى صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .


وبعد :


محمد صلى الله عليه وسلم صادقا:






فهو أصدق من تكلم، كلامه حق وصدق وعدل، لم يعرف الكذب في حياته جادّا أو مازحا، بل حرّم الكذب وذمّ أهله ونهى عنه، وقال:" إنّ الصدق يهدي الى البر، وإن البرّ يهدي الى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا.." الحديث أخرجه البخاري 6094 ومسلم 2607 عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.






وأخبر ان المؤمن قد يبخل وقد يجبن، لكنه لا يكذب أبدا، وحذر من الكذب في المزاح لإضحاك القوم، فعاش عليه الصلاة والسلام والصدق حبيبه وصاحبه، ويكفيه صدقا صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن الله بعلم الغيب، وائتمنه الله على الرسالة، فأداها للأمة كاملة تامة، لم ينقص حرفا ولم يزد حرفا، وبلّغ الأمانة عن ربه بأتمّ البلاغ، فكل قوله وعمله وحاله مبني على الصدق، فهو صادق في سلمه وحربه، ورضاه وغضبه، وجدّ وهزله، وبيانه وحكمه، صادق مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والرجل والمرأة، صادق في نفسه ومع الناس، في حضره وسفره، وحلّه وإقامته، ومحاربته ومصالحته، وبيعه وشرائه، وعقوده وعهوده ومواثيقه، وخطبه ورسائله، وفتاويه وقصصه، وقوله ونقله، وروايته ودرايته، بل معصوم من أن يكذب، فالله مانعه وحاميه من هذا الخلق المشين، قد أقام لسانه وسدّد لفظه، وأصلح نطقه وقوّم حديثه، فهو الصادق المصدوق، الذي لم يحفظ له حرف واحد غير صادق فيه، ولا كلمة واحدة خلاف الحق، ولم يخالف ظاهره باطنه، بل حتى كان صادقا في لحظاته ولفظاته وإشارات عينيه، وهو الذي يقول:" ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين" أخرجه أبو داود 4359 والنسائي 4067، وذلك لما قال له أصحابه: ألا أشرت لنا بعينك في قتل الأسير؟!






بل هو الذي جاء بالصدق من عند ربه، فكلامه صدق وسنّته صدق، ورضاه صدق وغضبه صدق، ومدخله صدق ومخرجه صدق، وضحكه صدق وبكاؤه صدق، ويقظته صدق ومنامه صدق {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } الأحزاب8، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} التوبة، {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ (21) } محمد.






فهو صلى الله عليه وسلم صادق مع ربه، صادق مع نفسه، صادق مع الناس، صادق مع أهله، صادق مع أعدائه، فلو كان الصدق رجلاً لكان محمداً صلى الله عليه وسلم، وهل يُتعلم الصدق إلا منه بأبي هو وأم؟ وهل ينقل الصدق إلا عنه بنفسي هو؟ فهو الصادق الأمين في الجاهلية قبل الإسلام والرسالة، فكيف حاله بالله بعد الوحي والهداية ونزول جبريل عليه ونبوّته وإكرام الله له بالإصطفاء والاجتباء والاختيار؟!






محمد صلى الله عليه وسلم صابرا:






فلا يعلم أحد مرّ به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مرّ به صلى الله عليه وسلم، وهو صابر محتسب {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ } النحل 127، صبرعلى اليتم والفقر والعوز والجوع والحاجة والتعب والحسد والشماتة وغلبة العدو أحيانا، وصبر على الطرد من الوطن والإخراج من الدار والإبعاد عن الأهل، وصبر على قتل القرابة والفتك بالأصحاب وتشريد الأتباع وتكالب الأعداء وتحزّب الخصوم واجتماع المحاربين وصلف المغرضين وكبر الجبارين وجهل الأعراب وجفاء البادية ومكر اليهود وعتوّ النصارى وخبث المنافقين وضرواة المحاربين، وصبر على تجهّم القريب وتكالب البعيد، وصولة الباطل وطغيان المكذبين.. صبر على الدنيا بزينتها وزخرفها وذهبها وفضتها، فلم يتعلق منها بشيء، وصبر على إغراء الولاية وبريق المنصب وشهوة الرئاسة، فصدف عن ذلك كله طلبا لمرضاة ربه، فهو صلى الله عليه وسلم الصابر المحتسب في كل شأن من شؤون حياته، فالصبر درعه وترسه وصاحبه وحليفه، كلما أزعجه كلام أعدائه تذكّر {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } طه 130، وكلما بلغ به الحال أشدّه والأمر أضيقه تذكّر {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } يوسف 18، وكلما راعه هول العدو وأقضّ مضجعه تخطيط الكفار تذكّر{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } الأحقاف 35.






وصبره صلى الله عليه وسلم صبر الواثق بنصر الله، المطمئن الى وعد الله، الراكن الى مولاه، المحتسب الثواب من ربّه جلّ في علاه، وصبره صبر من علم أن الله سوف ينصره لا محالة، وأن العاقبة له، وأن الله معه، وأن الله حسبه وكافيه، يصبر صلى الله عليه وسلم على الكلمة النابية فلا تهزه، وعلى اللفظة الجارحة فلا تزعجه، وعلى الإيذاء المتعمّد فلا ينال منه.






مات عمه فصبر، وماتت زوجته فصبر، وقتل حمزة فصبر، وأبعد من مكة فصبر، وتوفي ابنه فصبر، وتوفي ابنه فصبر، ورميت زوجته الطاهرة فصبر، وكُذّب فصبر، قالوا له شاعر كاهن ساحر مجنون كاذب مفتر فصبر، أخرجوه، آذوه، شتموه، سبّوه، حاربوه، سجنوه.. فصبر، وهل يتعلّم الصبر إلا منه؟ وهل يُقتدى بأحد في الصبر إلا به؟ فهو مضرب المثل في سعة الصدر وجليل الصبر وعظيم التجمّل وثبات القلب، وهو إمام الصابرين وقدوة الشاكرين صلى الله عليه وسلم.






محمد صلى الله عليه وسلم جوادا:






فهو أكرم من خلق الله، وأجود البرية نفسا ويدا، فكفّه غمامة بالخير، ويده غيث الجود، بل هو أسرع بالخير من الريح المرسلة، لا يعرف "لا" إلا في التشهد:






كا قال "لا" قط إلا في تشهدّه


لولا التشهد كانت لاؤه نعم






يعطي عليه الصلاة والسلام عطاء من لا يخشى الفقر؛ لأنه بعث بمكارم الأخلاق، فهو سيد الأجواد على الإطلاق، أعطى غنما بين جبلين، وأعطى كل رئيس قبيلة من العرب مائة ناقة، وسأله سائل ثوبه الذي يلبسه فخلعه وأعطاه، وكان لا يردّ طالب حاجة، قد وسع الناس برّه، طعامه مبذول وكفه مدرار، وصدره واسع، وخلقه سهل، ووجه بسّام:






تراه إذا ما جئته متهللا


كأنك تعطيه الذي أنت سائله






ينفق مع العدم ويعطي مع الفقر، يجمع الغنائم ثو يوزعها في ساعة، ولا يأخذ منها شيئا، مائدته صلى الله عليه وسلم معروضة لكل قادم، وبيته قبلة لكل وافد، يضيف وينفق ويعطي الجائع بأكله، ويؤثر المحتاج بذات يده، ويصل القريب بما يملك، ويواسي المحتاج بما عنده، ويقدّم الغريب على نفسه، فكان صلى الله عليه وسلم آية في الجود والكرم، حتى لا يقارن به أجواد العرب كحاتم وهرم ابن جدعان؛ لأنه يعطي عطاء من لا يطلب الخلف إلا من الله، ويجود جود من هانت عليه نفسه وماله وكل ما يملك في سبيل ربه ومولاه، فهو أندى العالمين كفا، وأسخاهم يدا، وأكرمهم محتدا، قد غمر أصحابه وأحبابه وأتباعه، بل حتى أعداءه ببرّه وإحسانه وجوده وكرمه وتفضله، أكل اليهود على مائدته، وجلس الأعراب على طعامه، وحفّ المنافقون بسفرته، ولم يُحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه تبرّم بضيف أو تضجّر من سائل أو تضايق من طالب، بل جرّ أعرابي برده حتى أثّر في عنقه وقال له: أعطني من مال الله الذي عندك، لا من مال أبيك وأمّك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وضحك وأعطاه، وجاءته الكنوز من الذهب والفضة وأنفقها في مجلس واحد ولم يدّخر منها درهما ولا دينارا ولا قطعة، فكان أسعد بالعطية يعطيها من السائل، وكان يأمر بالإنفاق والكرم والبذل، ويدعو للجود والسخاء، ويذمّ البخل والإمساك، فيقول:" من كان بؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" أخرجه البخاري [ 6018، 6136، 6138] ومسلم 47 عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال:" كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس" أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 2431، وابن حبان في صحيحه 3310. وقال:" ما نقصت صدقة من مال" أخرجه مسلم 2588 عن أبي هريرة رضي الله عنه.




رضى الله عن الشيخ الجليل عائض القرني و زاده علما