الأحد، 8 يوليو 2012

قبل أن يتحول ديوان المظالم إلي ديوان للظلم

"إنما الأعمال بالنيات، و لكل امرء ما نوى" صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم، هكذا هو الحال في تعامل الإنسان مع الله رب العالمين، "الذي يعلم الجهر و ما يخفى". أما في التعاملات بين البشر، فالنوايا الطيبة لا تشفع للأعمال الخاطئة، و نية الدب الذي كان يرغب في تخفيف عبء صاحبه من ذبابة تضايقه، لم تمنع نتيجة فعله من قتل و انهاء حياة صاحبه.
ديوان المظالم: نية خالصة لتخفيف العبء عن الناس، و معرفة مشاكلهم... لكن دعنا نقوم بتحليل الأمر بصورة علمية واقعية، ديوانان أو ثلاث للمظالم على مستوى دولة تعداد سكانها يقارب 90 مليون، لو افترضنا أن من هؤلاء السكان عدد لديه مظالم يوازي أعداد المعتصمين و المتظاهرين في مختلف المحافظات، هذا يكون عدد يساوي 15 تقريبا و لنقل أن ثلث هذا العدد سيذهب لتقديم شكوته في ديوان المظالم أي بما يوازي 5 مليون على الأقل، كل منهم له مظلمة تختلف عن الأخر، و في قطاع يختلف عن الأخر، فمنهم من مظلمته في مجال الصحة، و منهم من مظلمته في مجال التعليم، أو الزراعة، أو الإسكان، أو تسلط موظف حكومي، أو سرقة ذو نفوذ.....الخ
هناك تقسيمات مختلفة لهذه المظالم، فهل هناك تقسيم في هذا الديوان؟، و ما هو عدد الموظفين الكافي لتصنيف هذه المظالم؟، التي منها ما سيكون من الممكن إيجاد حل له، و منها ما يكون حله بإجراءات قانونية يجب اتخاذها بالطريق الرسمي لإعلاء دولة القانون، و احترام دولة المؤسسات.
إن هذا الديوان إن لم يتم هيكلته إداريا بشكل صحيح فأنه في رأيي الشخصي –مع عمل الموظفين فيه بكل طاقتهم- لن يكون إلا مخزنا للشكاوى، و ديوان للظلم للبسطاء الذين لا يدركون حقائق السعي عن مطالبهم، و كان الأفضل قبل إنشاء هذا الديوان التركيز على رفع الوعي لدى المواطنين، و تقنين الطريقة التي يتقدمون بها بمظالمهم، و ربما كان من الأولى أن يتواجد ديوان للمظالم في كل وزارة أو قطاع على حدة، و يكون مستقلا عن هذه الوزارة أو القطاع، و يختلف دوره كليا عن مكاتب خدمة المواطنين بالوزارات و إنما  يكون القائمين على العمل فيه من الأساتذة المتخصصين في هذا القطاع، حتى يستطيعوا فحص المظالم بموضوعية، و معرفة ما يحتاج منها لتدخل من سلطة أعلى، و ما منها ليس إلا نتاج ضعف وعي المواطن بالطرق السليمة لحل مشكلته. و يستطيعون أيضا معرفة المشاكل المتشابهة المتكررة بين المواطنيين و التي قد يحتاج حلها إلي إعادة هيكلة إدارة معينة لتيسيير أمور المواطنين.
كما أنه من الممكن أيضا أن يكون هناك تعاون مثمر بين هذه الدواوين الفرعية، و منظمات المجتمع المدني المختلفة التي ترصد المشاكل على أرض الواقع، و تتواصل مع المواطنين في مختلف القطاعات، و هنا نكون أيضا قد أضفينا دورا مهما و فعالا للقطاعات الأهلية في المجتمع، بحيث لا تعمل بشكل منفصل عن الحكومة.
بهذا الشكل تكون تلك الدواوين فعلا ذات تأثير فعال في حل مشاكل المواطنين، كما أن ترفع تقاريرها من القطاعات المختلفة إلي ديوان المظالم الرئيسي برئاسة الجمهورية، أو ترسل معها ما أستعصى حله في الدواوين الفرعية.
كما يمكن أن يقوم هذا الديوان بدور إحصائي، و بحثي، و حبذا إن كان من القائمين على العمل في الدواوين الفرعية شباب الباحثين، الذين ستتاح لهم الفرصة لإجراء بحوث إجتماعية حقيقية على أرض الواقع، و محاولة رصد المشكلات بصورة علمية سليمة لإيجاد الحلول المناسبة لها.
و ختاما، أتمنى أن يجد هذا الإقتراح طريقه لرئاسة الجمهورية، قبل أن يتحول ديوان المظالم إلي ديوان للظلم.

د/ إحسان يحيى – ناشطة حقوقية، مدير مركز القاهرة للإعلام و التنمية الثقافية، مدرس مساعد علوم أساسية جامعة القاهرة، عضو مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية وحقوق الإنسان