الخميس، 24 مايو 2012

معايير إختيار الرئيس بين الإستقلالية الفكرية و الوعي السياسي

تعيش مصر الأن حالة من الترقب في إنتظار إختيار رئيسا للجمهورية تباينت فيها الأراء و الوسائل الدعائية التي تتراوح بين الوعود بتحسين الحالة الإقتصادية و إعادة الأمن و بين استخدام الخطاب الديني للتأثير على البسطاء الذين لا يرغبون إلا في رغيف العيش و لنذهب إلي أحد المناطق الشعبية في حي دار السلام بالقاهرة لترى وجوها أرهقها العمل تبحث عن الرزق فهذا يفترش الشارع يبيع لعب الأطفال الصينية الصنع، و هذا صبي يقود "توك توك" ينقل به الركاب من المترو إلي المناطق العشوائية التي لا تستطيع المواصلات العادية السير فيها، أما هذه فهي "الست أم حسن" التي قاربت الستين من عمرها جلست بملابسها السوداء المهلهلة تتصبب عرقا من حرارة الجو و هي تبيع الخضروات و تقوم بتقطيع بعضها و تجهزها في أكياس انتظارا لمرور الموظفات القاطنات بالمنطقة للشراء منها و سألتها "هتروحي تنتخبي الريس يا ست أم حسن؟"..."طبعا هأروح أمال إيه" هكذا قالت فسألتها "و يا ترى هتنتخبي مين و ليه؟" فقالت: ( مرشح للتيار الإسلامي) .. "عشان حال البلد ينصلح ده راجل بتاع ربنا و هيوفرولنا المعايش بالرخيص و إحنا واخدين منها إيه غير لقمة و هدمة و نومة"

بتلك الكلمات البسيطة عبرت "الست أم حسن" عن أحلام الكثير من الفقراء الذين لا تتجاوز طموحاتهم مكان يأويهم و ملابس تسترهم و طعام يقيم أجسادهم، و ننتقل إلي دكتور مصطفى ياسين، و هو مدرس جامعي يقول: "أنا مقتنع جدا ب (اسم مرشح وسطي)، بس لأني شايف فرصته قليله هأدي صوتي ل (مرشح للتيار الإسلامي)"

بينما تدخل أحد الشباب الثائر قائلا "هأدي صوتي ل (اسم مرشح ليبرالي) حتى لو كنت أنا الشخص الوحيد اللي هيديله صوته"

و هكذا تباينت الأراء بين من قرر أن يعطي صوته لمن يعتقد أنه سينجح، لا لمن يريده أن ينجح، و أخرون متمسكون بمرشحيهم و إن كانت فرصتهم في النجاح ضعيفة، و على الحياد وقفت مجموعة أخرى تراقب في حيرة لا تدري كيف تختار .
جانب من طوابير الإنتظار للإنتخابات الرئاسية بحي المعادي بالقاهرة 23 مايو2012
و في اليوم الأول للإنتخابات الرئاسية في إحدى لجان حي المعادي تجولت في طوابير الإنتظار الطويلة في محاولة لمعرفة معايير إختيار الرئيس القادم لدى من حضروا للإدلاء باصواتهم.


قال سعيد محمد الذي أختار مرشح ينتمي للتيار الإسلامي: "إحنا عانينا من الفساد علشان كانوا حاكمينا ناس ميعرفوش ربنا، أنا مايهمينيش برامج و لا غيره، كل اللي يهمني يحكمنا واحد يتقي ربنا و يراعي الفقرا علشان كدة أخترت مرشح الإسلاميين"
و على الجانب الأخر قالت سلوى مصطفى التي اختارت مرشح ليبرالي من وجهة نظرها:"كلنا مسلمين، و احنا شفنا الإسلاميين معملوش حاجة لما مسكوا البرلمان، عايزين واحد زينا مش يقفلها علينا و يكوش عالسلطة"
و بسؤال إبراهيم ناجي عضو المكتب التنفيذي بإتحاد شباب الثورة: "لا يوجد برنامج واضح للإختيار، و الإشكالية الحقيقية أن الأمور تدار لصالح الوصول للسلطة و ليس لصالح المجتمع حتى أن الثورة باتت نوع من أنواع المزايدة الإنتخابية و المشكلة الحقيقية أننا مجتمع عانى حالة من الإنغماس العام في أليات نقل السلطة و لم يدير نقاشا عاما حول المشاكل الحقيقية في المجتمع، في الجوانب الإقتصادية و الإجتماعية، في جوانب الأمن القومي و مستقبل الدولة"
و بالنسبة لأراء بعض أعلام المجتمع من الفنانين و السياسيين قال الفنان أشرف عبد الغفور نقيب الممثلين "أن الإتجاه نحو المرشح الأقوى هو منطق مغلوط، و طالما أن الشخص مقتنع بمرشح معين يجب أن يتجه له، و يحث الأخرين لترشيحه بمعايير موضوعية. لكن إذا قال كل شخص أنا سأختار من أتوقع له النجاح فإنه بذلك يساعد على عدم نجاح المرشح الذي يريده".
من ناحية أخرى أختلف مع هذا الرأي دكتور أيمن نور رئيس حزب غد الثورة و المرشح المستبعد من السباق الرئاسي قائلا "إن محاولة إختيار مرشح له فرصة كبيرة في النجاح جزء من الوعي السياسي حيث أن المواطن لا يريد أن يهدر صوته على مرشح بعيدا عن فرص النجاح، و هذا نابع من رغبته في أن يشعر أنه قد أنتج من صوته رئيسا منتخبا منه شخصيا"
و حول مرشحين الثورة قالت الكاتبة المعروفة الأستاذة سكينة فؤاد: "بالنسبة للناخب الذي يريد أن يختار مرشح يعبر عن الثورة، أنا أفضل لو كان من مجموعة الثورة نطاق به كتلة تصويتية حتى لا تتفتت الأصوات، إذن طبعا في المقدمة أن أختار من أثق أن لديه برنامج، لديه تاريخ، لديه إنتماء للثورة، لديه ما يمثل مصر الجديدة، لديه ما يمثل أهداف الثورة و أحلام مئات الثوار، إذا إضيف لهذا المرشح الذي تتوفر له هذه المقومات، الكتلة التصويتية التي تضمن أنه يستطيع أن يحصل على أرقام عالية و متقدمة في السباق الرئاسي، و أن يدخل التصفية الأولى و أن يدخل التصفية الثانية، بدون شك يؤيده الناخبون"
بينما أفاد دكتور أحمد مهران الخبير القانوني و مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية و القانونية: "أن معايير الإختيار لمن يصلح رئيسا لمصر لابد أن تكون مبنية على معيار الكفاءة، و معيار القدرة على خلق الإمكانيات و الوسائل و الأدوات التي تمكنه من إصلاح أحوال مصر، و تغيير أوضاعها و إدارة شئونها الداخلية و الخارجية بكفاءة و سهولة و يسر، و من أهم الوسائل التي تساعد على رفع الوعي السياسي هو الإعلام، فالإعلام عليه دور كبير جدا في توعية المواطنين عن معايير الإختيار، و مكان الإنتخاب، و كيفية الإختيار بنوع من الحيادية و نوع من الإتزان، و نشر الوعي السياسي و الثقافة القانونية لدى المواطن المصري، حتى إذا ما أختار كان إختياره مبنيا على معيار موضوعي أساسه الكفاءة"
و مع تباين الأراء بين هذا و ذاك تبدو ثقة أغلبية الشعب المصري في أهمية صوتهم الذي كان مدفونا عقودا طويلة، و حتى مع إختلاف درجات الوعي السياسي بينهم فإنهم باتوا يدركون أن لهم دورا أساسيا في بناء مستقبل مصر التي تعيش حالة من الحراك السياسي المستمر، و يبقى الصندوق الإنتخابي هو الفيصل في تحديد من سيكون رئيس الجمهورية القادم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق