الجمعة، 18 مايو 2012

فتاة المترو

مترو الأنفاق من أكثر وسائل المواصلات إستخداما في القاهرة... لكن عند البعض هو ليس فقط وسيلة للمواصلات...



يقترب المترو من الرصيف و أمام العربة المخصصة للسيدات تتدافع الفتيات و السيدات للركوب قبل صفارة إغلاق الأبواب. بينهم تلك الفتاة السمراء النحيلة التي لا تتعدى العشرون من عمرها و تحمل شنطة ضخمة و ما أن تغلق الأبواب حتى تفتح شنطتها و تستخرج منها بعض البضائع تحملها بحرفية على يديها و تضع شنطتها جانبا ثم تشق طريقها وسط الزحام تنادي "طقم مفارش التلاجة 7 قطع يحافظلك على تلاجتك بخمسة جنيه، مفرش السفرة البلاستيك أي شكل و أي لون ب 7 جنيه...." و تستمر في سرد بضاعتها و أسعارها و مزاياها بصوت جهوري عسى أن يشتري منها أحد، .... يقترب المترو من المحطة التالية فتصمت و تقف كباقي الركاب خوفا من أن يراها أحد أفراد شرطة المترو فيطلبون منها غرامة، في هذه الأثناء يدخل المترو مجموعة أخرى من الركاب بينهم فتاة أخرى ترتدي جينز و بلوزة بسيطة و تحمل حقيبة متوسطة الحجم تبدو و كأنها طالبة جامعية، و بعد إغلاق الأبواب و بحركات مترددة تقوم تلك الفتاة بفتح حقيبتها فتخرج منها مجموعة من إكسسوارات الشعر و ميداليات و دبابيس للحجاب ثم تتكلم بصوت ضعيف و كأنها تتحدث مع زميلة لها "حد ياجماعة عايز توك شعر أو دبابيس طرحة..." و الغريب أن صوتها الضعيف و أسلوبها المتردد قد أثار إنتباه بعض الراكبات اللائي ألتفتن إليها ليروا من أين يأتي هذا الصوت، و عندئذ إنطلقت نحوها الفتاة السمراء التي كانت تعرض بضائعها سابقا و قالت لها "إنتي مالك ياختي بتكلمي بالراحة كدة ليه –شكلك جديدة- أنتي كدة عمر ما حد هيشتري منك ..هاتي ..هاتي" قالت ذلك و هي تأخذ من يديها ما تحمله من بضائع و تركت بضاعتها هي و نادت "معايا توكة الشعر بجنيه، ميدالية الفضة بجنيه، دبابيس الطرحة السحرية... يالا يا بنات، يالا يا ستات" و علقت إحدى الراكبات "أيام سودة البنت شكلها تلميذة و بتحاول تساعد أهلها"


ثم بدأ بعض الراكبات يطلبن البضائع فتنادي إحداهن "فرجني التوك اللي معاكي" و اخري "هاتي علبة دبابيس... و هكذا


كانت الفتاة صاحبة البضائع تنظر في ذهول و قد كسى وجهها حمرة الخجل، و ظهر في عينيها الألم لأنها أضطرت لذلك العمل.. و بينما هي كذلك لا تدري ماذا تفعل نادتها الفتاة الأخرى "يالا أتنحرري شوية طلعي بضاعة تانية"


و بينما استعدت الفتاة لتطبيق مهارات التسويق التي بدأت تتعلمها من زميلتها دخل المترو صبي يحمل المناديل الورقية و أنطلق في المترو "600 منديل ب 2 جنيه .. و خمسه بعشرة جنيه.. يالا المناديل و لا نمسح كم العباية و لا كم الفستان و لا والنبي هاتي منديل يا أم فلان.."


و هنا جاءت الفتاة الأولى للفتاة الجديدة و ناولتها باقي البضائع و الأموال التي باعتها بها و قالت "شايفة الولا بيستظرف إزاي.. هو ده اللي بيخلي الناس تشتري يالا شدي حيلك، و أضحكي ... حلي لنفسك العيشة، محدش واخد منها حاجة... سلام بقى أنا رايحة عربية تانية"


فلملمت الفتاة بضاعتها و حملت حقيبتها و خرجت من المترو...


مر عدة أيام و على رصيف المترو و أمام العربة المخصصة للسيدات تتدافع الفتيات و السيدات للركوب و معهم تلك الفتاة و بعد إغلاق الأبواب أخرجت الفتاة بضاعتها و بإبتسامة تعلو وجهها و صوت يختلف عن المرة الأولى أنطلقت تنادي..."يالا يا بنات معايا توك الشعر كل الألوان ..يالا يا حلوين معايا التوكة اللي هتخلي العجوزة صبية و الفلاحة مصرية...."


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق