الأحد، 8 يوليو 2012

قبل أن يتحول ديوان المظالم إلي ديوان للظلم

"إنما الأعمال بالنيات، و لكل امرء ما نوى" صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم، هكذا هو الحال في تعامل الإنسان مع الله رب العالمين، "الذي يعلم الجهر و ما يخفى". أما في التعاملات بين البشر، فالنوايا الطيبة لا تشفع للأعمال الخاطئة، و نية الدب الذي كان يرغب في تخفيف عبء صاحبه من ذبابة تضايقه، لم تمنع نتيجة فعله من قتل و انهاء حياة صاحبه.
ديوان المظالم: نية خالصة لتخفيف العبء عن الناس، و معرفة مشاكلهم... لكن دعنا نقوم بتحليل الأمر بصورة علمية واقعية، ديوانان أو ثلاث للمظالم على مستوى دولة تعداد سكانها يقارب 90 مليون، لو افترضنا أن من هؤلاء السكان عدد لديه مظالم يوازي أعداد المعتصمين و المتظاهرين في مختلف المحافظات، هذا يكون عدد يساوي 15 تقريبا و لنقل أن ثلث هذا العدد سيذهب لتقديم شكوته في ديوان المظالم أي بما يوازي 5 مليون على الأقل، كل منهم له مظلمة تختلف عن الأخر، و في قطاع يختلف عن الأخر، فمنهم من مظلمته في مجال الصحة، و منهم من مظلمته في مجال التعليم، أو الزراعة، أو الإسكان، أو تسلط موظف حكومي، أو سرقة ذو نفوذ.....الخ
هناك تقسيمات مختلفة لهذه المظالم، فهل هناك تقسيم في هذا الديوان؟، و ما هو عدد الموظفين الكافي لتصنيف هذه المظالم؟، التي منها ما سيكون من الممكن إيجاد حل له، و منها ما يكون حله بإجراءات قانونية يجب اتخاذها بالطريق الرسمي لإعلاء دولة القانون، و احترام دولة المؤسسات.
إن هذا الديوان إن لم يتم هيكلته إداريا بشكل صحيح فأنه في رأيي الشخصي –مع عمل الموظفين فيه بكل طاقتهم- لن يكون إلا مخزنا للشكاوى، و ديوان للظلم للبسطاء الذين لا يدركون حقائق السعي عن مطالبهم، و كان الأفضل قبل إنشاء هذا الديوان التركيز على رفع الوعي لدى المواطنين، و تقنين الطريقة التي يتقدمون بها بمظالمهم، و ربما كان من الأولى أن يتواجد ديوان للمظالم في كل وزارة أو قطاع على حدة، و يكون مستقلا عن هذه الوزارة أو القطاع، و يختلف دوره كليا عن مكاتب خدمة المواطنين بالوزارات و إنما  يكون القائمين على العمل فيه من الأساتذة المتخصصين في هذا القطاع، حتى يستطيعوا فحص المظالم بموضوعية، و معرفة ما يحتاج منها لتدخل من سلطة أعلى، و ما منها ليس إلا نتاج ضعف وعي المواطن بالطرق السليمة لحل مشكلته. و يستطيعون أيضا معرفة المشاكل المتشابهة المتكررة بين المواطنيين و التي قد يحتاج حلها إلي إعادة هيكلة إدارة معينة لتيسيير أمور المواطنين.
كما أنه من الممكن أيضا أن يكون هناك تعاون مثمر بين هذه الدواوين الفرعية، و منظمات المجتمع المدني المختلفة التي ترصد المشاكل على أرض الواقع، و تتواصل مع المواطنين في مختلف القطاعات، و هنا نكون أيضا قد أضفينا دورا مهما و فعالا للقطاعات الأهلية في المجتمع، بحيث لا تعمل بشكل منفصل عن الحكومة.
بهذا الشكل تكون تلك الدواوين فعلا ذات تأثير فعال في حل مشاكل المواطنين، كما أن ترفع تقاريرها من القطاعات المختلفة إلي ديوان المظالم الرئيسي برئاسة الجمهورية، أو ترسل معها ما أستعصى حله في الدواوين الفرعية.
كما يمكن أن يقوم هذا الديوان بدور إحصائي، و بحثي، و حبذا إن كان من القائمين على العمل في الدواوين الفرعية شباب الباحثين، الذين ستتاح لهم الفرصة لإجراء بحوث إجتماعية حقيقية على أرض الواقع، و محاولة رصد المشكلات بصورة علمية سليمة لإيجاد الحلول المناسبة لها.
و ختاما، أتمنى أن يجد هذا الإقتراح طريقه لرئاسة الجمهورية، قبل أن يتحول ديوان المظالم إلي ديوان للظلم.

د/ إحسان يحيى – ناشطة حقوقية، مدير مركز القاهرة للإعلام و التنمية الثقافية، مدرس مساعد علوم أساسية جامعة القاهرة، عضو مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية وحقوق الإنسان

الجمعة، 15 يونيو 2012

جولة الإعادة للإنتخابات الرئاسية، و وجه أخر للحب!!


 بقلم: د/ إحسان يحيى - مدير مركز القاهرة للإعلام و التنمية الثقافية
المرحلة الأولى للإنتخابات الرئاسية كان فيها إختيارات متعددة، و كان كل مجموعة من الأصدقاء أو الرفقاء متفقون على شخص أو أشخاص لهم نفس السمات، و كانت هناك أحلام و آمال.... و ظهرت النتيجة بوصول أثنان من المرشحين لجولة الإعادة لا يتجاوز أحدهما نسبة ال24% و حصل باقي المرشحين مجتمعين على حوالي 50%، و هؤلاء الخمسون بالمائة و تحديدا الأربعون بالمائة الذين أختاروا مرشحين ثوريين، هم من وقعوا في معضلة الإختيار الصعب.
و بعيدا عن الإختيار ظهر وجه أخر للحب بين هؤلاء المتشابهون...
قد كنت ممن ثاروا، و طالبوا بإسقاط النظام، و لي صديقة غالية، و رفيقة أمينة ناصحة، فرحت بالثورة، و ضمدت عيون المصابين في أحداث شارع محمد محمود... أنا و صديقتي من الأربعون بالمائة، فلم يختار أي منا أي من مرشحي الإعادة في الجولة الأولى... أما الأن فقد أختار كل منا مرشح مختلف، ليس رغبة في ذلك المرشح و لكن هناك إختلاف نسبي في تقديرنا لأي منهما أقل مرارة من الأخر...
... نلتقي على مواقع التواصل الإجتماعي فنعلم من كلمات كل منا إختلاف إختياراتنا.... ثم نلتقي وجها لوجه، فنسلم على بعضنا و نتحدث في أمور مختلفة و نتجنب الحديث عن الإنتخابات بألسنتنا، و لكن تنظر كلانا للأخرى نظرة مليئة بالحب، نظرة تقول صديقتي، حبيبتي أنت إخترت الشخص الخطأ... و لكن كلمات العيون لا تخرج من اللسان، ربما لأن كلينا ليست واثقة تماما من إختيارها، و ربما لأننا نعلم أننا إذا تناقشنا و ذكرت كل منا مساوئ المرشح التي أختارته الأخر سنتفق على تلك المساوئ.... فنحن لم نختار أي منهم عن إقتناع عميق به، لكننا أخترناه لأن كل منا تراه أقل سؤا من الأخر.
الشيء المؤكد أنا كلانا تحب هذا الوطن، و ترى الأخرى رفيقتها في الوطن، و رغم أي خلاف تدوم بيننا المحبة.

السبت، 26 مايو 2012

سنوات أربع: إما النهضة أو المسمار الأخير في نعش الإخوان

أحد إنجازات الثورة تحديد فترة الرئاسة باربع سنوات، و هذا أمر يجب ألا ننساه و حيث ان المؤشرات الأولية للإنتخابات تشير بشكل كبير إلي إمكانية فوز مرشح الإخوان ... و مما لا شك فيه أنه بالرغم من تفوق د/محمد المرسي إلا أن النسب التي حصل عليها أقل بكثير مما حصل عليه الإخوان في الانتخابات البرلمانية، مما يدل على هبوط أرصدة الإخوان لدى جموع المواطنين، و بالرغم من ذلك فإن هناك الكثير ممن لم يرغبوا في تولي الإخوان السلطة إلا أنهم يروا أن تولي مرشح الإخوان مع معارضتهم له أفضل بكثير من فوز الفريق أحمد شفيق أحد أعمدة النظام السابق و رئيس وزراء موقعة الجمل.



"مشروع النهضة" اسم قوي لمشروع مدته ستة عشر عاما، و وعود بنهضة مصر و تحسين الأحوال الإقتصادية و الإجتماعية و خلافه، و لنفترض أن الأمر قد حسم و تولى د/محمد المرسي الرئاسة، عندها سنجد أمامنا فريقين، فريق أعطى صوته لمرشح الإخوان تعلقا بهذه الوعود و ثقة في هذا المشروع، و فريق أعطى له صوته على مضض فقط رغبة في خسارة الفريق أحمد شفيق المحسوب على النظام السابق و سيظل يعارض منهج الإخوان.


الأمر المؤكد أن الجميع سينظر بترقب لأداء الرئيس المنتظر و ماذا سيفعل لصالح الشعب المصري، و لهذا فإن فوز الإخوان بالرئاسة لا يعني إنتصار نهائي، فكما قلنا سابقا إن الفترة الرئاسية سنوات أربع بعدها إنتخابات أخرى يكون الشعب عندها عرف ما هو الرئيس و مدى صدقه في وعوده.


أما الدستور الذي لم يوضع بعد، و الذي أقر مجلس الشعب قانون إنتخاب الجمعية التأسيسية في توقيت الجميع منشغل فيه بإنتخابات الرئاسة و نتائجها، فإن ذلك الدستور سوف يعرض على الشعب في إستفتاء عام، و التكهنات بأن كتلة الإخوان ستضع في الدستور موادا لصالح تطلعاتها السياسية حتى و إن صدقت فإن الشعب سيرفضها في الإستفتاء، ذلك الشعب الذي صار أكثر وعيا و ثقافة سياسية من ذي قبل.


لذلك أقول لكل أبناء وطني ممن يرفضون تولي الإخوان الرئاسة: لا تحزنوا، لعله خير و ما هي إلا سنوات أربع فإما النهضة أو المسمار الأخير في نعش الإخوان


الخميس، 24 مايو 2012

معايير إختيار الرئيس بين الإستقلالية الفكرية و الوعي السياسي

تعيش مصر الأن حالة من الترقب في إنتظار إختيار رئيسا للجمهورية تباينت فيها الأراء و الوسائل الدعائية التي تتراوح بين الوعود بتحسين الحالة الإقتصادية و إعادة الأمن و بين استخدام الخطاب الديني للتأثير على البسطاء الذين لا يرغبون إلا في رغيف العيش و لنذهب إلي أحد المناطق الشعبية في حي دار السلام بالقاهرة لترى وجوها أرهقها العمل تبحث عن الرزق فهذا يفترش الشارع يبيع لعب الأطفال الصينية الصنع، و هذا صبي يقود "توك توك" ينقل به الركاب من المترو إلي المناطق العشوائية التي لا تستطيع المواصلات العادية السير فيها، أما هذه فهي "الست أم حسن" التي قاربت الستين من عمرها جلست بملابسها السوداء المهلهلة تتصبب عرقا من حرارة الجو و هي تبيع الخضروات و تقوم بتقطيع بعضها و تجهزها في أكياس انتظارا لمرور الموظفات القاطنات بالمنطقة للشراء منها و سألتها "هتروحي تنتخبي الريس يا ست أم حسن؟"..."طبعا هأروح أمال إيه" هكذا قالت فسألتها "و يا ترى هتنتخبي مين و ليه؟" فقالت: ( مرشح للتيار الإسلامي) .. "عشان حال البلد ينصلح ده راجل بتاع ربنا و هيوفرولنا المعايش بالرخيص و إحنا واخدين منها إيه غير لقمة و هدمة و نومة"

بتلك الكلمات البسيطة عبرت "الست أم حسن" عن أحلام الكثير من الفقراء الذين لا تتجاوز طموحاتهم مكان يأويهم و ملابس تسترهم و طعام يقيم أجسادهم، و ننتقل إلي دكتور مصطفى ياسين، و هو مدرس جامعي يقول: "أنا مقتنع جدا ب (اسم مرشح وسطي)، بس لأني شايف فرصته قليله هأدي صوتي ل (مرشح للتيار الإسلامي)"

بينما تدخل أحد الشباب الثائر قائلا "هأدي صوتي ل (اسم مرشح ليبرالي) حتى لو كنت أنا الشخص الوحيد اللي هيديله صوته"

و هكذا تباينت الأراء بين من قرر أن يعطي صوته لمن يعتقد أنه سينجح، لا لمن يريده أن ينجح، و أخرون متمسكون بمرشحيهم و إن كانت فرصتهم في النجاح ضعيفة، و على الحياد وقفت مجموعة أخرى تراقب في حيرة لا تدري كيف تختار .
جانب من طوابير الإنتظار للإنتخابات الرئاسية بحي المعادي بالقاهرة 23 مايو2012
و في اليوم الأول للإنتخابات الرئاسية في إحدى لجان حي المعادي تجولت في طوابير الإنتظار الطويلة في محاولة لمعرفة معايير إختيار الرئيس القادم لدى من حضروا للإدلاء باصواتهم.


قال سعيد محمد الذي أختار مرشح ينتمي للتيار الإسلامي: "إحنا عانينا من الفساد علشان كانوا حاكمينا ناس ميعرفوش ربنا، أنا مايهمينيش برامج و لا غيره، كل اللي يهمني يحكمنا واحد يتقي ربنا و يراعي الفقرا علشان كدة أخترت مرشح الإسلاميين"
و على الجانب الأخر قالت سلوى مصطفى التي اختارت مرشح ليبرالي من وجهة نظرها:"كلنا مسلمين، و احنا شفنا الإسلاميين معملوش حاجة لما مسكوا البرلمان، عايزين واحد زينا مش يقفلها علينا و يكوش عالسلطة"
و بسؤال إبراهيم ناجي عضو المكتب التنفيذي بإتحاد شباب الثورة: "لا يوجد برنامج واضح للإختيار، و الإشكالية الحقيقية أن الأمور تدار لصالح الوصول للسلطة و ليس لصالح المجتمع حتى أن الثورة باتت نوع من أنواع المزايدة الإنتخابية و المشكلة الحقيقية أننا مجتمع عانى حالة من الإنغماس العام في أليات نقل السلطة و لم يدير نقاشا عاما حول المشاكل الحقيقية في المجتمع، في الجوانب الإقتصادية و الإجتماعية، في جوانب الأمن القومي و مستقبل الدولة"
و بالنسبة لأراء بعض أعلام المجتمع من الفنانين و السياسيين قال الفنان أشرف عبد الغفور نقيب الممثلين "أن الإتجاه نحو المرشح الأقوى هو منطق مغلوط، و طالما أن الشخص مقتنع بمرشح معين يجب أن يتجه له، و يحث الأخرين لترشيحه بمعايير موضوعية. لكن إذا قال كل شخص أنا سأختار من أتوقع له النجاح فإنه بذلك يساعد على عدم نجاح المرشح الذي يريده".
من ناحية أخرى أختلف مع هذا الرأي دكتور أيمن نور رئيس حزب غد الثورة و المرشح المستبعد من السباق الرئاسي قائلا "إن محاولة إختيار مرشح له فرصة كبيرة في النجاح جزء من الوعي السياسي حيث أن المواطن لا يريد أن يهدر صوته على مرشح بعيدا عن فرص النجاح، و هذا نابع من رغبته في أن يشعر أنه قد أنتج من صوته رئيسا منتخبا منه شخصيا"
و حول مرشحين الثورة قالت الكاتبة المعروفة الأستاذة سكينة فؤاد: "بالنسبة للناخب الذي يريد أن يختار مرشح يعبر عن الثورة، أنا أفضل لو كان من مجموعة الثورة نطاق به كتلة تصويتية حتى لا تتفتت الأصوات، إذن طبعا في المقدمة أن أختار من أثق أن لديه برنامج، لديه تاريخ، لديه إنتماء للثورة، لديه ما يمثل مصر الجديدة، لديه ما يمثل أهداف الثورة و أحلام مئات الثوار، إذا إضيف لهذا المرشح الذي تتوفر له هذه المقومات، الكتلة التصويتية التي تضمن أنه يستطيع أن يحصل على أرقام عالية و متقدمة في السباق الرئاسي، و أن يدخل التصفية الأولى و أن يدخل التصفية الثانية، بدون شك يؤيده الناخبون"
بينما أفاد دكتور أحمد مهران الخبير القانوني و مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية و القانونية: "أن معايير الإختيار لمن يصلح رئيسا لمصر لابد أن تكون مبنية على معيار الكفاءة، و معيار القدرة على خلق الإمكانيات و الوسائل و الأدوات التي تمكنه من إصلاح أحوال مصر، و تغيير أوضاعها و إدارة شئونها الداخلية و الخارجية بكفاءة و سهولة و يسر، و من أهم الوسائل التي تساعد على رفع الوعي السياسي هو الإعلام، فالإعلام عليه دور كبير جدا في توعية المواطنين عن معايير الإختيار، و مكان الإنتخاب، و كيفية الإختيار بنوع من الحيادية و نوع من الإتزان، و نشر الوعي السياسي و الثقافة القانونية لدى المواطن المصري، حتى إذا ما أختار كان إختياره مبنيا على معيار موضوعي أساسه الكفاءة"
و مع تباين الأراء بين هذا و ذاك تبدو ثقة أغلبية الشعب المصري في أهمية صوتهم الذي كان مدفونا عقودا طويلة، و حتى مع إختلاف درجات الوعي السياسي بينهم فإنهم باتوا يدركون أن لهم دورا أساسيا في بناء مستقبل مصر التي تعيش حالة من الحراك السياسي المستمر، و يبقى الصندوق الإنتخابي هو الفيصل في تحديد من سيكون رئيس الجمهورية القادم.

الجمعة، 18 مايو 2012

فتاة المترو

مترو الأنفاق من أكثر وسائل المواصلات إستخداما في القاهرة... لكن عند البعض هو ليس فقط وسيلة للمواصلات...



يقترب المترو من الرصيف و أمام العربة المخصصة للسيدات تتدافع الفتيات و السيدات للركوب قبل صفارة إغلاق الأبواب. بينهم تلك الفتاة السمراء النحيلة التي لا تتعدى العشرون من عمرها و تحمل شنطة ضخمة و ما أن تغلق الأبواب حتى تفتح شنطتها و تستخرج منها بعض البضائع تحملها بحرفية على يديها و تضع شنطتها جانبا ثم تشق طريقها وسط الزحام تنادي "طقم مفارش التلاجة 7 قطع يحافظلك على تلاجتك بخمسة جنيه، مفرش السفرة البلاستيك أي شكل و أي لون ب 7 جنيه...." و تستمر في سرد بضاعتها و أسعارها و مزاياها بصوت جهوري عسى أن يشتري منها أحد، .... يقترب المترو من المحطة التالية فتصمت و تقف كباقي الركاب خوفا من أن يراها أحد أفراد شرطة المترو فيطلبون منها غرامة، في هذه الأثناء يدخل المترو مجموعة أخرى من الركاب بينهم فتاة أخرى ترتدي جينز و بلوزة بسيطة و تحمل حقيبة متوسطة الحجم تبدو و كأنها طالبة جامعية، و بعد إغلاق الأبواب و بحركات مترددة تقوم تلك الفتاة بفتح حقيبتها فتخرج منها مجموعة من إكسسوارات الشعر و ميداليات و دبابيس للحجاب ثم تتكلم بصوت ضعيف و كأنها تتحدث مع زميلة لها "حد ياجماعة عايز توك شعر أو دبابيس طرحة..." و الغريب أن صوتها الضعيف و أسلوبها المتردد قد أثار إنتباه بعض الراكبات اللائي ألتفتن إليها ليروا من أين يأتي هذا الصوت، و عندئذ إنطلقت نحوها الفتاة السمراء التي كانت تعرض بضائعها سابقا و قالت لها "إنتي مالك ياختي بتكلمي بالراحة كدة ليه –شكلك جديدة- أنتي كدة عمر ما حد هيشتري منك ..هاتي ..هاتي" قالت ذلك و هي تأخذ من يديها ما تحمله من بضائع و تركت بضاعتها هي و نادت "معايا توكة الشعر بجنيه، ميدالية الفضة بجنيه، دبابيس الطرحة السحرية... يالا يا بنات، يالا يا ستات" و علقت إحدى الراكبات "أيام سودة البنت شكلها تلميذة و بتحاول تساعد أهلها"


ثم بدأ بعض الراكبات يطلبن البضائع فتنادي إحداهن "فرجني التوك اللي معاكي" و اخري "هاتي علبة دبابيس... و هكذا


كانت الفتاة صاحبة البضائع تنظر في ذهول و قد كسى وجهها حمرة الخجل، و ظهر في عينيها الألم لأنها أضطرت لذلك العمل.. و بينما هي كذلك لا تدري ماذا تفعل نادتها الفتاة الأخرى "يالا أتنحرري شوية طلعي بضاعة تانية"


و بينما استعدت الفتاة لتطبيق مهارات التسويق التي بدأت تتعلمها من زميلتها دخل المترو صبي يحمل المناديل الورقية و أنطلق في المترو "600 منديل ب 2 جنيه .. و خمسه بعشرة جنيه.. يالا المناديل و لا نمسح كم العباية و لا كم الفستان و لا والنبي هاتي منديل يا أم فلان.."


و هنا جاءت الفتاة الأولى للفتاة الجديدة و ناولتها باقي البضائع و الأموال التي باعتها بها و قالت "شايفة الولا بيستظرف إزاي.. هو ده اللي بيخلي الناس تشتري يالا شدي حيلك، و أضحكي ... حلي لنفسك العيشة، محدش واخد منها حاجة... سلام بقى أنا رايحة عربية تانية"


فلملمت الفتاة بضاعتها و حملت حقيبتها و خرجت من المترو...


مر عدة أيام و على رصيف المترو و أمام العربة المخصصة للسيدات تتدافع الفتيات و السيدات للركوب و معهم تلك الفتاة و بعد إغلاق الأبواب أخرجت الفتاة بضاعتها و بإبتسامة تعلو وجهها و صوت يختلف عن المرة الأولى أنطلقت تنادي..."يالا يا بنات معايا توك الشعر كل الألوان ..يالا يا حلوين معايا التوكة اللي هتخلي العجوزة صبية و الفلاحة مصرية...."


الثلاثاء، 7 فبراير 2012

العصيان المدنى تعريفه ومفهومه


تعريف العصيان المدني

يعرف بير هيرنجرين العصيان المدني في كتابه 'طريق المقاومة ..ممارسة العصيان المدني' بأنه:

نشاط شعبي متحضر يعتمد أساساً على مبدأ اللاعنف.

أنشطة العصيان المدني هي عبارة عن تحدٍ لأمر ما أو لقرار ما حتى ولو كانت غير مقيدة بالقانون.

هدف النشاط المباشر هو أن يحافظ على ظاهرة معينة أو أن يغير ظاهرة معينة في المجتمع.

النتائج أو التبعات الشخصية هي جزء مهم من النشاط ولا ينظر إليها على أنها نتيجة سلبية.

ويجب الانتباه! إلى أن العصيان المدني تقوم أنشطته على التحدي، فلا تقيده قوانين النظام، أوقراراته، وإن كان أحياناً يتم عبر القوانين. ومن ثم لا يستطيع النظام أن يفرض على حركة نشاطاً بعينه أو يمنعها من نشاط، أو يفرض عليها ميداناً بعينه.

من المستهدف من حركة العصيان؟

الجمهور هو المستهدف

إن المقاومة يجب أن توجه خطابها إلى المواطنين المذعنين. و يعتقد 'ثوراو' أن المواطنين هم الذين يشكلون ويصنعون الجزء الأهم في جماعة العصيان المدني. كما يري أن أكبر الداعمين للأنظمة الجائرة والذين يمثلون أخطر وأكبر المعوقات أمام حركة المقاومة هم أولئك الذين يعترضون ثم يذعنون ويقدمون للنظم الولاء والدعم في النهاية.وينبغي ألا تنشغل حركة العصيان المدني بتوجيه خطابها إلى الحاكم أوالنظام، وتغفل عن اختيار خطاب مناسب للجماهير، يدعوهم للمشاركة في العصيان، ويحرضهم عليه، ويربط مستقبلهم بنجاحه. طالما أنها قررت المقاومة ... وليس الاحتجاج.

لقد أوضح المهاتما غاندي - الذي قاد النضال ضد الاستعمار البريطاني في الهند - بشكل لا يقبل الشك أن العصيان يقوض من سلطة الدولة إلى حد بعيد، إذ يقول 'لو أن الرجل يشعر أنه ليس من الرجولة أن يطيع القوانين الجائرة فلن يستطيع أي طاغية أن يستعبده'.

وتكمن المشكلة الحقيقية في إذعان أكثر المواطنين وكونهم ضمن شريحة المجتمع المطيعة، وحين ي ستطيع ناشطو العصيان المدني تحفيز الآخرين علي تحدي القوانين والتعليمات الجائرة عن طريق استثمار النتائج والعواقب المترتبة على الممارسة الحقيقية لأنشطة العصيان المدني، فإنهم ينجحون في مساعدة الجمهور كي يتغلب على كسر حاجز الخوف من العقوبات الشخصية.

إن العصيان المدني ينبغي أن ينظرله كوحدة متكاملة، حيث تكون العقوبة بنفس أهمية الأنشطة. إن العقوبات أو بالأحرى التغلب على الخوف من العقوبة هو أساس رئيسي في مبدأ العصيان المدني.

إن العصيان المدني لا يهدف فحسب إلى التأثير في الرأي العام؛ ولكنه يتجاوز ذلك ليصبح طريقة لتحفيز المواطنين على العصيان. والفعل أو النشاط وحده لا يكفي لتحقيق هذا الهدف. ولكن امتزاج عنصر الأنشطة بعنصر العقوبات يحدث الحافز القوي للعصيان والتغلب على الخوف من العقوبات.

لذلك فاكتساب الجماهير يتم من خلال تقديم النموذج، الذي يرفض الانصياع للأوامر، وكلما صمد هذا النموذج أمام العقوبات كلما ازداد عدد المنضمين للعصيان. وعادة ما يكون دور حركات العصيان هو إشعال فتيل المقاومة وتقديم النموذج ليتبعها الأحرار.

يقول جون راؤول في كتابه 'نظرية العدالة':

'ليس من الصعب أن! تبرر حالة العصيان المدني في نظام غير عادل لا يتبع رأي الأغلبية، ولكن حينما يكون النظام عادلاً إلى حد ما تبرز مشكلة ألا وهي أن من يقوم بالعصيان المدني يصبح من الأقلية وتغدو عملية العصيان المدني وكأنها موجهة ضد رأي الأغلبية في المجتمع'.

لذلك تستفيد حركات العصيان من الظلم والتسلط، وتوظفهما في عملية التحريض، وكلما ازداد الظلم كلما كان ذلك في صالح حركات العصيان، وكلما زادت الجرائم المعلنة للنظام كلما كان ذلك سبيلاً إلى اجتذاب الجماهير. لذلك تستفيد حركات العصيان من أخطاء النظام، وتوظفها بشكل دقيق لجذب المزيد من الأحرار، ولتسقط شرعيته وهيبته.

وسائل العصيان لا تعرف السرية

تبعاً لقواعد العصيان المدني فإن المشاركين لا يتعمدون إخفاء وسائل أنشطتهم عن السلطة،وهدا لاينطبق كما لايخفى على واقعنا الليبى وهنا يجب التوقف عند وضع مجتمعنا الليبى لدا فان السرية فى العمل وتوخى الحدر هو الامر المنطقى والواقعى. .. فإن كتابة شعار سياسي أو رسالة ما على حائط أو جدار ما تحت جنح الظلام يعتبر نوعاً من أنواع الاحتجاج، و مقاومة ( في ظروف معينة) رغم أن ذلك قدلايترتب عنه نتائج ! سياسية مرضية!

ولذلك ينبغي لحركات العصيان أن تعي هذه النقطة جيداً.. أن المواطنين هم المستهدف الرئيسي للعصيان، أن يرى الناس أفراداً من الشعب يمارسون العصيان جهاراً...ويتحملون عواقبه .. والأعمال التي تتم في جنح الظلام لا تشجع الآخرين على أن يقوموا بنفس العمل.. لذلك قد لا تعد عصياناً.. فالعصيان هو رفض للنظام وكسر لقانون أو وضع ما جائر دون تخفي.

وتكون مهارة الحركة في أن يستثمر جهازها الإعلامي( يشمل الوسائل الاعلامية المتاحة تلفزيون راديو اداعة انترنت... الخ )هذه الأنشطةالسرية، وكلما زاد القمع وبدأ التحرش بالمشاركين، كلما كان ذلك مؤشراً على نجاح العصيان. وحينها يستفيد الجهاز الإعلامي المقاوم من كل تحرش، أو صدام، أو كلمة نابية، أو فلتة لسان، أو عمل لا أخلاقي، أو مقتل لأحد المقاومين ليمتلك ورقة رابحة ودليلاً دامغاً على أن الشعب قرر العصيان. وإذا فوت الجهاز الإعلامي هذه الأحداث يكون قد فرط في أداة قوية من أدوات نجاح العصيان. إن قوة النشاط في فقه العصيان قد تكمن في العقوبة التي ستوجه إلى المقاومين!، والتي سيستثمرها إعلام المقاومة.

المقاومة والاحتجاج

يورد بير هيرنجرين حكاية له مع أخيه الصغير وهو طفل: 'من الدروس الأولى التي تعلمتها في العصيان المدني كان عند ولادة أخي الصغير ... ولقد كنت مفتوناً بإصراره البريء على تنفيذ ما يشاء وبالطريقة التي يشاء، وعندما لا يرغب في عمل شئ فإنه ببساطة يرفض ولا يساوم على هذا الرفض وهو ما كان مغايراً تماماً لما كنت عليه حيث أنني كنت ابناً مطيعاً جداً.

ولا أقصد بهذا أنني لم أكن أحتج (protest) فلقد كنت أصيح بشكل عنيف وأصرخ وأجادل، ولكن عندما ينتهي هذا الاحتجاج والصراخ فإنني أنصاع في نهاية الأمر. كان هذا هو التباين بيني وبين أخي والذي ساعدني كثيراً في أن أفهم بوضوح الاختلاف بين مفهوم المقاومة (resistance) ومفهوم الاحتجاج (protest).'

وتتسم كلمة المقاومة اليوم بالنمطية وذلك لأن كل أشكال الاحتجاج – وللأسف - أصبحت فجأة تسمى مقاومة.

إن الاحتجاج قد يكون مجرد تعبير عن موقف إزاء قانون ما، أو موقف ما، ثم العودة والإذعان. أما المقاومة فتسعى إلى إلغاء! القرار، أو تحدي القانون. إنها ترفض الإذعان أو الطاعة.

إن المقاومة في جوهرها هي العصيان. وقد يكون الاحتجاج أكثر قبولاً في بعض الحالات إلا أن تأثيره ليس كتأثير المقاومة (رغم أن الاحتجاج بالنسبة لنظام دكتاتوري يُعتمد شكلاً من أشكال المقاومة لأنه عمل غير مشروع في نظر الديكتاتورية شأنه شأن المقاومة

).

جذور العصيان المدنى

كان أول من استعمل مصطلح العصيان المدني وأشار إلى فكرته هو الكاتب الأمريكي هنري دايفيد ثوراو في مقاله الشهير 'العصيان المدني' المنشور في سنة 1849. وقد كتب مقاله الشهير هذا عقب امتناعه عن دفع ضرائب الحرب احتجاجاً على العبودية والقمع والاضطهاد والحرب التي كانت تخوضها الولايات المتحدة ضد المكسيك. ولم يكن الامتناع عن دفع الضرائب بالفكرة الجديدة وإنما استعملها مناهضو الاسترقاق وآخرون غيرهم. وكذلك لجأ كارل ماركس إلى هذه الفكرة حين حاول أن ينظم حملة لإقناع الأوربيين بعدم دفع الضرائب خلال الثورة التي اجتاحت أوروبا عام 1848م.

أحسن ما يوصف به العصيان المدني أنه عبارة عن حوار، حوار مع الخصم من خلال أنشطة المقاومة والمحاكمات، كما أنه حوار مع المواطنين من خلال تحفيزهم للمشاركة في أنشطة المقاومة. وعادة ما تبدأ المقاومة بشكل تدريجي، فتبدأ حملة المقاومة مثلاً بالمفاوضات -ان اتيح هدا الامر- ثم تُصَعَّدْ تدريجياً (أو تبتكر أساليب أخرى) إذا لم تنجح عملية الحوار في لفت انتباه الخصم وإقناعه بضرورة الاصلاح والتغي! ير. وقد شبه غاندي هذه العملية بارتقاء درجات السلم، ففي مسيرة الملح الشهيرة عندما كسر الهنود قانون الاستعمار البريطاني وبدأوا يستخلصون الملح من البحر سأل أحد الصحفيين غاندي ماذا سيفعل لو لم تستجب السلطات لذلك.. فأجاب: 'عندئذ سأُصُعِّدْ الحملة'. وذلك حتى يستمر الحوار بين المقاومة والنظام.

ومن الضروري أن يستمر هذا الحوار وألا يتوقف وألا يتم تجاهله، وأن يستهدف جر المجتمع كله من مسئولين ومواطنين إلى حوار مكثف، ذلك أن استمرار الحوار يعني استمرار الحركة في تحقيق أهدافها وازدياد قوتها، وفي توقف الحوار تعزيز لموقف النظام وازدياد قوته. وعلى الحركة ونشطائها أن يعوا أن عدم التهيب من السلطة يجب ألا يؤدي إلى قطع الحوار الذي قد ينشأ نتيجة الحماس في دفع المقاومة إلى الأمام بشكل غير مدروس. أما إذا كان الخصم هو البادئ في قطع الحوار - لأسباب تكتيكية - فسيزيد ذلك من إمكانية خلق حوار مباشر بين مجموعة النشطاء من جهة وبين المواطنين من جهة أخرى. وهذا التطور هو الشائع في مثل هذه المواقف.

إن استجابة الخصم جزء ضروري في ! عملية المقاومة بغض النظر عما إذا كانت هذه الاستجابة سلبية أو إيجابية، جزئية أو كلية.

العصيان المدني والعمل المباشر

وبحسب استجابة الخصم تكون طبيعة النشاط . فقد يكون من الضروري أحياناً أن يأخذ العصيان المدني صورة العمل المباشر الرمزي، بمعنى أن يصبح الهدف هو الوسيلة. ومن الأمثلة على الفعل المباشر الرمزي ما قامت به حركة السلام في السويد عندما قامت بإعاقة جدية لتصدير السلاح في عام 1983، حيث تمكنت مجموعة من النشطاء – رغم ضعفها التنظيمي - من تعطيل سفينة محملة بالسلاح لمدة ساعة، مرسلة برسالة رمزية بضرورة وقف تصدير السلاح كليةً، وفي نفس الوقت فقد حققت هدفها بشكل رمزي ومنعت تصدير السلاح فعلاً في هذا النشاط.

وعندما تقوم حركة ما بإيواء مجموعة من المشردين ممن لا مأوى لهم فإنها بذلك تسلط الضوء على قضية المشردين، وفي نفس الوقت تحقق هدفاً من أهدافها ألا وهو إيجاد مأوى لهؤلاء المشردين.

وعندما ينام عدد من النشطاء على شريط سكة حديد معترضين سير قطار محمل بأغذية مسرطنة، فهم إنما يمنعون ذلك بأجسادهم، كما يعبرون عن ضرر هذه الأغذية وعن رفضهم لها.

ويجب الإشارة ه! نا إلى أن العمل المباشر لا يحظر الاستعمال الرمزي للقوة. فلقد قامت مجموعة من النشطاء المسيحيين بربط أنفسهم بالسلاسل، ومن ثم ربطوا هذه السلاسل بأبواب قواعد عسكرية معروفة في بريطانيا. وهم لا يعنون بذلك أن يحققوا هدفاً باستخدام قوة السلاسل؛ وإنما يريدون أن تصل رسائلهم إلى الرأي العام البريطاني والعالمي.

وهنا يبرز سؤال هام عن أخلاقيات حركة العصيان المدني ومبرراته.

أخلاقيات حركة العصيان المدني

يجب أن يمثل العصيان المدني حافزاً أخلاقياً للمواطنين ليكون جديراً بثقتهم. وتبدو هذه الثقة مستحيلة إذا هددت حركة المقاومة باستعمال العنف، مما يخلق عند الناس حالة ذهنية من الهلع تحول بينهم وبين الاستجابة للحافز الأخلاقي، وبهذا يصبح العصيان مصدراً للخوف بدلاً من الثقة. فالعصيان إذا ما كان مصحوباً بالعنف فانه يعزز قوة الخصم.

إن إدخال عنصر القوة الجسدية في المقاومة – خاصة في البداية مع ضعف الحركة - يؤدي إلى عزل الكثيرين من النشطاء عن المقاومة – خاصة الذين لا يمتلكون قوة جسدية. وبذلك تصبح حركة العصيان المدني قائمة على مجموعة مختارة بمواصفات محددة، وهو ما يضعف الحركة أمام قوة الطرف الآخر. ومشاركة المجموعات النسائية في أعمال العصيان المدني خير مؤيد لوجهة النظر هذه. [2]

و يجب الانتباه إلى أن العصيان المدني لا يكون مؤثراً أو فعالاً إلا بمبررات أخلاقيةً نابعة من عدالة المهمة التي قام من أجلها. فمثلا حين يتعارض القانون المدني مع القيم الأخلاقية والدينية للمجتمع، أو يقوم النظام بمنع الحقوق الدستورية للمواطنين مثل حق التجمع السلمي وحق التظاهر أو حرية الاعتقاد الديني، أو فرض ضرائب على أفراد المجتمع واستخدامها في حروب ظالمة أو سرقتها لصالح أسرة النظام وحزبه؛ يجد العصيان المدني مبررات قوية لقيامه بأنشطته! . فتحقيق العدل يفوق الالتزام بأي قانون جائر.

إن مسئولية الفرد تجاه مجتمعه ومطالبته بحقه الطبيعي في تلبية نداء الضمير يؤكد على وجوب مقاومة النظم الديكتاتورية وعدم السماح لها بالتحكم في تصرفاتنا وسلوكنا أو أن تملي علينا مالذي يمكننا أو لا يمكننا عمله.

إننا عادةً ما نسمح للنظام بالتحكم في تصرفاتنا وسلوكنا من خلال مانتصوره ممكناً أو غير ممكن، غير أنه من خلال أنشطتنا فقط تتأكد لدينا إمكانية الفعل أو استحالته. ففي مفاوضات نزع السلاح مثلاً فمن المنطقي والطبيعي أن تكون السلطة أو الحكومة وحدها هي القادرة على تحديد أي الأسلحة تنزع وأيها يدمر، ولكن عندما يقوم عمال مصانع الأسلحة من نشطاء العصيان المدني بإبطال فعالية هذه الأسلحة أو نزعها بأنفسهم تتغير حينها! قناعاتنا حول من بإمكانه أيضاً أن يقوم بالعمل الذي ترفض الحكومة القيام به. فأشياء تبدو لأول وهلة أنها مستحيلة لكنها تحدث، وأمور تبدو في يد النظام وحده، لكن مجموعة بسيطة تستطيع أن تثبت عكس ذلك.

ولهذا لكي تصح تصوراتنا عن الإمكانية الحقيقية لفعل ما فلابد من إخضاعه للتجربة وهي وحدها الحكم الذي يقرر الإمكانية من عدمها. ولا ينبغي أن نكتفي بانهزام الإرادة والتسليم لإيهامات الخصم بأن كل شيء في قبضته وأننا يجب ألا نتخطى الخطوط الحمراء التي وضعها.

وبالمثل فإن رؤيتنا التقليدية لما هو صحيح وما هو خطأ تتحكم بسلوكنا إلى حد كبير، فطاعة القانون مثلاً وعدم تخريب الممتلكات مبدآن أخلاقيان متجذران في ثقافة المجتمع، ولكن حين يقوم نشطاء البيئة في أوروبا بتفكيك الآلات المضرة بالبيئة والتي يحميها القانون - أي يحمي الإضرار بالبيئة وتخريب الطبيعة - سيكون من المعقد جداً أن نفهم هذا التعارض بين القضيتين. ماهو الصواب وما هو الخطأ. وعندما تقوم حركة العصيان المدني بالدعوة إلى الامتناع عن دفع الضرائب، فإنها لا تدعو لعمل غير أخلاقي - رغم أن ظاهره قد يبدو كذلك، فقد يكون الهدف من وراء هذا الامتناع هو إيقاف عمليات الرشاوى والفساد التي ! تتم تحت مظلة 'الضرائب'.

قد يتحدث الكثيرون عن أخلاقيات العصيان المدني، لكن هذه الأخلاقيات تختلف بحسب النظرة إلى ما هو ممكن وغير ممكن، وما هو صواب أو خطأ، والمطلوب هو إخضاع هذه الأعراف والقناعات للتجربة بالحوار مع الخصم ومن ثم كل المجتمع عن طريق أنشطة واستراتيجيات العصيان المدني.

العصيان المدني ومجموعات العمل

'عندما ينتظم ألف شخص في شكل مجموعات عمل متنوعة فإن قدرتهم على تصعيد المقاومة تكون أكبر من أن يتولى

قيادة هذا العدد الكبير مجموعة صغيرة سرعان ما تنفد طاقتها' "بيرهرينجرين

ثقافة العمل في فريق

إن ثقافة 'العمل في فريق' قيمة عظمى تفتقدها مجتمعاتنا بصفة عامة، ! فمجتمعاتنا قائمة على العمل والإنجاز الفردي. بينما قيمة أو كلمة الفريق تعني عدة أشياء. فهي تعني التعاون والتواصل وجودة وسرعة الإنتاج، وهي الأشياء التي يفتقدها العمل الفردي.

وقد تتواجد الجماعات والحركات، ولكنها لا تستفيد من قيمة العمل في فريق، فتغلب عليها النزعة الفردية في اتخاذ القرارات، وتدريب الأفراد على التبعية المطلقة. وهو أمر يختلف كلية عن ثقافة 'العمل في فريق'، والتي تجعل الفريق كله مسئولاً عن العمل، والنجاح والفشل، وتمنح الثقة لكل أفراد المجموعة، وتعزز قدرتهم على اتخاذ القرارات.

وقد كان لهذه الثقافة دور كبير في ازدهار ونهضة المجتمعات الغربية.

جذور مجموعات العمل

ففي الثلاثينات أسست الحركة الفوضوية الأسبانية الكثير من أنشطة وأعمال المقاومة القائمة على فكرة مجموعات العمل. والتي فاقت نتائج استخدامها كل التوقعات، وأدت إلى الانتشار السريع للفكرة في العالم الغربي والولايات المتحدة الأمريكية خلال الثما! نينات من القرن الماضي.

ولقد أحدثت مجموعات العمل ثورة في مبدأ المقاومة باللاعنف. فقبل استخدامها كان على الفرد أن يبحث عن شخصية زعامية قوية مؤثرة ويأمل بذلك أن ينجح النشاط وأن يؤتي ثماره. أما مع ظهور مجموعات العمل فقد أصبح التخطيط واتخاذ القرارات ونجاح العمل من مسئولية الفريق بأكمله.

طبيعة مجموعات العمل

تتألف مجموعة العمل (مجموعات صغيرة)عادة من ثلاثة إلى خمسة عشر فرداً تجمعهم اهتمامات وأهداف مشتركة، وعادة ما يكون سر قوتها وتأثيرها نابع من قلة عددها إذ يمكنها القيام بعمل نوعي مبني على المشاركة الإيجابية لكل أفراد المجموعة، وتساعدها صغر بنيتها على مرونة حركتها وتجديد استراتيجيتها تبعاً لمتطلبات العمل. كما يضيف إلى قوتها أيضاً المرونة في الزمن، فيمكن أن تقوم بمهمة محددة قصيرة، أوتشارك في مهمات طويلة الأمد، تقوم بالتجهيز لحالة العصيان المدني بشكل منتظم ومستمر. كما أن مجموعات العمل قد تعمل منفردة أحياناً، وقد تلتقي في عمل كبير موحد.

ولمعرفة مدى ملاءمة مجموعات عمل العصيان المدني للحركات التغييرية القائمة لابد من التعرف على مميزات وسلبيات هذا الأسلوب من أساليب حركة اللاعنف.

مميزات مجموعات العمل

1-ارتفاع مستوى حرية العمل واتخاذ القرار داخل المجموعة

.إذ أنها ذاتية الحركة، فهي تقرر آليات اتخاذ القرارات، وهي مسئولة مسئولية تامة عن النشاط الذي تؤديه، وذلك يمكنها أيضاً من سرعة اتخاذ القرارات، إذ يمكن تجميع أعضاء المجموعة بسرعة إذا ما حدث أمر جديد أو غير متوقع. .كما أنها تمثل الوحدات الأساسية التي تتخذ القرارات في العمل الجماهيري.

.2-كفاءة عالية ونوعية للنشاط

.حيث أن المجموعة تختار النشاط الذي يتفق مع قدراتها ومواهبها وطاقاتها، وتقوم بتنفيذ الأنشطة التي تؤمن بها. .وتقوم بأعمال إبداعية تحفز الجمهور، حيث أن لكل مجموعة حرية الابتكار في الأداء دون الخروج على 'استراتيجية اللاعنف'، فيمتليء يوم النشاط بالكثير من الأفكار التي قد لا يتسنى للقيادة المركزية أن تقوم بها. وكثيراً ما يفاجأ النشطاء أنفسهم حيث يرون الكثير من الأفكار التي لم يكونوا يتوقعونها والتي تقوم بها مجموعات أخرى، فتكسب النشاط جواً مشحوناً بترقب الجديد، والتنافس للإبداع. .كذلك تزول الرتابة عن الأعمال المألوفة ...حيث تأخذ في كل مرة شكلاً مختلفاً، من اشكال المقاومة والنظال الوطنى..إذا ما حدث أن فقد أحد الأعضاء السيطرة على النشاط فإن أعضاء مجموعته يدعمونه لينجح نشاطهم.

.3-المرونة في الحركة

.إذ تتمتع بإمكانية وسهولة التقييم والتجديد تبعاً لمتطلبات العمل . .وسهولة فك المجموعة وإعادة تركيبها بشكل جديد. ...وسهولة تدريبها وتعليم كل فرد فيها كيفية تكوين مجموعة جديدة في حال انفصاله عنها. .

وقاية حركة العصيان من احتمال وقوع الاختراق من قبل اجهزة الامن و من أخطار التكدس بالكم البشري غير الفعال، من خلال تقنين آلية تفكيك وتكوين المجموعات.

.4- مجموعات العمل تضمن استمرارية المقاومة وتصاعد وتيرتها

.فعندما يتعرض قادة ورموز الحركة لحصار أو إعاقة كبيرة عن العمل، تختار الكثيرمن المجموعات الاستمرار في المقاومة. .وعندما ينتظم ألف شخص في شكل مجموعات عمل متنوعة فإن قدرتهم على تصعيد المقاومة تكون أكبر بكثير من أن يتولى قيادة هذا العدد الكبير مجموعة صغيرة من القادة الذين سرعان ما تنفد ! طاقتهم وإمكانيتهم في الاستمرار بالعمل. <.ولا يتطلب أسلوب مجموعات العمل – بالضرورة - شخصية قيادية، فالمجموعة تدير نفسها بنفسها ويمكنها تبادل إدارة العمل وقيادته. .كما أنها تجنب الحركة العزلة عن المجتمع من خلال تنشيطه في مجموعات عمل متنوعة تعطي الجمهور الثقة في النفس واليقين بإمكانية الفعل دون إجباره على التقوقع على تنظيم بعينه. فكثير من الناس عندهم استعداد أن يشاركوا مع أصدقائهم في عمل ما. لكنهم يرفضون أو يخافون من الانضمام إلى حركة كبيرة!. كما يصعب على النظام إيقاف عمل بهذا الأسلوب لا يقوم على تنظيم هرمي مثلاً يتوقف فيه العمل لدى ضرب قيادته. فعندما تتوقف مجموعة عن العمل ويضرب نشاطها، فإن بقية المجموعات تعمل، وتتم بقية الأنشطة. والعمل بهذا الأسلوب يقلل من نسبة المتسربين من المجموعة، حيث تتكون المجموعة من أفراد متجانسين ومتآلفين ومتفقين على الهدف. غالباً ما تزول النبرة الحزبية الاستعلائ! ية، وتقدم مصلحة المشروع التغييري على مصلحة المجموعة. فكل مجموعة تسعد ب ظهورأخرى تساندها. وتؤيد أي مجموعة تتقدم بالمشروع خطوة. فمجموعة العمل تعلم أن وظيفتها إنجاز نشاط أو عدة أنشطة، وأنها في حاجة إلى مجموعات أخرى. وتتجنب صراع التجنيد والضم العشوائي للأفراد، إذ أن قوتها في قلة عددها. فتزول الأنانية والشعور بالفوقية الذين يعوقان تقدم قوى التغيير. 5- تأمين العمل: إذ تقلل من إمكانية اختراق المعادين أو المتهورين أو من يسهل استفزازهم للأنشطة، حيث أن كل مشارك في نشاط ما يكون منتمياً لأحد مجموعات العمل، وهذه المجموعات يعرف أفرادها بعضهم البعض بشكل جيد، ومن الطبيعي أن يطلب من الفرد الذي يخالف أو لا يؤمن بالخطوط العريضة أو بمبادئ اللاعنف أن يغادر المجموعة.

6-ضآلة التكلفة الأمنية: فاعتقال المجموعة لا يوقع أفرادها تحت ضغط نفسي كبير أثناء التحقيق خشية ذكر أسماء وأنشطة كل أعضاء الحركة. وأقسى الخسائر سيكون اعتقال كل أفراد المجموعة فقط. بينما لا تزال المجموعات الأخرى تتحرك.

ومن أكبر مزايا هذا الأسلوب قلة سلبياته، والتي يجب على العاملين أن ينتبهوا إليها.

سلبيات مجموعات العمل

صعوبة الانضمام إلى العصيان المدني العرضي (المفاجئ والناتج عن حادثة معينة). مجموعات العمل تخلق شعوراً بالالتزام والذي يتطلب من المرء بذل الكثير من الجهد والوقت.

إن أسلوب مجموعات العمل يمنع تكدس حركات العصيان بالكم البشري غير الفعال. كما أن حركة صغيرة الحجم من حركات العصيان إذا اعتمدت فكرة مجموعات العمل فإنها تضاعف من قوتها. وهذا الأسلوب مناسب أيضاً للأفراد غير المنضمين إلى حركات كبيرة، والذين يريدون أن يشاركوا في عملية التغيير.

إننا حين ندعو للعصيان فإننا نحارب الديكتاتوريات. وعليه فإن من واجب حركات العصيان أن تطلق حرية التفكير والإبداع وتَحَمُّل مسئولية النشاط، طالما أن العمل لم يتجاوز استراتيجية 'اللاعنف'.

مجموعات العمل والتحضير للنشاط

إن مجموعة العمل تدريب على:

1- إقامة نموذج مصغر لمجتمع مقاوم حر في وحدة صغيرة

2- التخطيط للنشاط

3- تطوير أساليب اللاعنف بما يناسب تقاليد المجتمع

لمن 'مجموعات العمل'؟

يعد نظام 'مجموعات العمل' من التكتيكات التي تضمن كفاءة عالية في إنجاز أعمال حركات اللاعنف والعصيان المدني. ويعتبر غاندي مؤسس فكرة ومبدء اللاعنف أن الإعداد الروحي والعقدي ضروري لممارسة أنشطة اللاعنف. غير أن بعض النشطاء من بعده قد طوروا هذا الأسلوب ورأوا أن المشارب العقدية والفكرية قد تجتمع معاً، ولا يحتاج الفرد للانض! مام إلى تنظيم أو حركة أيديولوحية بعينها، بل يكفي أن يكون هناك هدفاً مشتركاً بين النشطاء.

إن لدى التنظيمات الموجودة على ساحة التغيير ميزة وفرصة ذهبية لتبني أسلوب 'مجموعات العمل'. فلديها الأفراد الذين يجمعهم هدف واحد، وليس لديها مشكلة في تكوين المجموعات المتجانسة، وتلتقي المجموعات بشكل دوري عبر اجتمعاتها الرسمية. لكنها تتطلب فقط التدريب على اتخاذ القرارات، والثقة في النفس، وثقافة وأساليب العصيان المدني، بالإضافة إلى تشجيع المبادرات التي لا تخرج عن استراتيجية 'اللاعنف'.

وبالنسبة للأفراد الذين لا يرغبون في الانضمام إلى حركات كبيرة، وتحركهم دوافع مشتركة للمساهمة في الحركة التغييرية، فإن تكوين مجموعات عمل عادة ما يتم بشكل طبيعي عبر العلاقات الاجتماعية (الأصدقاء – الجيران – زملاء العمل – الأقارب) لذلك يكون التقاؤهم طبيعيا وغير مفتعل.

وسواءً كانت مجموعات العمل ضمن حركات كبيرة، أو كانت مجموعات صغيرة منفردة فإنها تحتاج إلى إعدادات وتحضيرات قبل العمل، وأثناءه، وبعده.

ما التحضيرات اللازمة؟

1- تحضيرات إدارية:

- الاتفاق على اسم المجموعة وشعارها – إن كانت بحاجة لذلك.

- تحديد أسلوب إدارة المجموعة وكيفية تداول القيادة فيها، وتقنين آليات الاتصال بالقيادة العليا (في حالة أن المجموعة جزء من تنظيم). وتقنين آليات الاتصال بالمجموعات الأخرى – إن استدعى الأمر – في حالة المجموعات المنفردة.

- وضع القواعد العامة التي يجب أن تلتزم بها المجموعة، وتحديد آليات الانفصال وتكوين مجموعات أخرى.

- تقنين آليات فض النزاعات باستخدام الطرق والوسائل المختلفة التي تساعد على تعريف! وتوصيف النزاعات وكيفية التوصل لحلول لها، مما يوفر الإحساس بالأمن لدى المجموعة، ودعم الشعور بالثقة المتبادلة وتقبل النقد وإسداؤه بطريقة بناءة.

- تحديد الآلية التي سيتم تدريب أعضاء المجموعة من خلالها على أعمال وثقافة العصيان المدني وأنشطة اللاعنف.

- تقوية تجانس المجموعة: إن خلق تجمع مقاوم يتضمن تعارف الأفراد، وتطوير التعاون فيما بينهم عبر التقييم المتواصل لتجانس المجموعة وتعاونها.

إن مجموعة العمل تدريب على إقامة نموذج مصغر لمجتمع مقاوم حر في وحدة صغيرة تقوم بالتخطيط للنشاط وتطوير أساليب اللاعنف بما يناسب تقاليد وثقافة المجتمع.

2- تحضيرات فكرية:

- فلسفة وثقافة اللاعنف: ونشرهاعبر المراجع المتخصصة مثل مراجع 'جين شارب' وغيرها، ويتضمن ذلك الروايات والأدب والشعر والتجا! رب التاريخية والمعاصرة المقروءة والمسموعة والمرئية.

- التعرف على الحقوق الدستورية، وواجبات وحقوق الأفراد في الدولة.

- تحليل الأوضاع: قد تتطرق المناقشات والتحليلات إلى موضوعات كثيرة، فيُمكنُ أَنْ تَكُون حول الوضع السياسي الحالي، الحالة العسكرية، أجهزة الإعلام، حركة المقاومة، الحركة البديلة بصفة عامة، الأحزاب السياسية، اللاعنف، العصيان المدني، الظلم، الهيمنة، الظلم في المجموعةِ، القانون المراد تعديله أو تغييره، كما تدرس نقاط القوة والضعف لدى! النظام، واستراجيته في البقاء، ونقاط ضعف وقوة قوى التغيير،وما الذي ستضيفه المجموعة من قوة إلى باقى مجموعات وحركات التغيير، واحتياجات الشعب والقضايا المحركة له والتي يمكن أن تحشده لمناصرة الحركة التغييرية، والعوامل والظروف المساعدة التي يمكن أن تؤثر على مسار الصراع. والمزيد من الموضوعات الأخرى.

- قضايا فلسفية: مثل: أخلاقيات العصيان المدني وحركة اللاعنف، وما هو الحق الذي نملكه لخرق وكسر القانون؟ وكيف يمكن تفعيل الرمزية في العمل؟(3)

- احتياجات المجموعة: بالحديث حول الخوف والمخاطرة، والأمن، والدعم والعزلة، والاعتقال والاحتجاز، والمحاكمات والعقوبات، وأمننا وأمن الآخرين، والعائلة والأصدقاء، وغيرها من المواضيع ذات الصلة بالعمل التغييري.

3- تحضيرات للنشاط نفسه:

- تحديد أه داف النشاط بدقة (احتياجات الأفراد - احتياجات المجموعة – احتياجات المجتمع) ومناقشة رسالة النشاط، والدافع، والرمزية، والأولويات.

- تحديد بؤرة النشاط، والتركيز على الأشياء الأكثر أهمية، وتحديد أقوى الوسائل لتحقيقها بدلاً من استخدام مواردنا المحدودة في كل أنواع الأنشطة والقضايا. وهذا التركيز يساعد على الوضوح: هل رسالة النشاط مفهومة؟ وهل تمثل حافزاً للجماهير؟ وهل تصل إلى المستهدفين منها؟ وماأفضل الوسائل لإيصالها؟.

- تحديد وسائل الاتصال لخلق حوار مع الخصم ومع بقية المجتمع؟ والتي تتضمن الإعلام والمحاكمات والاتصال الشخصي مع العمال وصناع القرار، والخطابات والرسائل، والحلقات الدراسية والدورات التدريبية.

- بناء القدرة وتوزيع الأدوار: وقبل البدء في أي نشاط لابد من تقييم أو تقدير قدرة كل فرد على تنفيذه، وإعطائه الفرصة للتفكير و مراجعة تردده وتردد الآخرين في المشاركة، والتريث إذا وجد أنه من الأفضل لهم أن ينتظروا فترة قبل المشاركة! في الأنشطة. وعلى كل فإن المجموعة تقيس قدرتها على الفعل فإن وُجدت أتمت نشاطها، وإن لم توجد سعت لبناء قدرتها وتطوير أفرادها وتدريبهم. ولا يجب قسر الأفراد على أدوار بعينها. بل يجب أن تختار كل مجموعة الدور الذي يتفق مع مواهبها ومهاراتها.

- عمل الأبحاث: للحصول عن المعلومات اللازمة وقد يتم ذلك عبر المؤسسات الحكومية أو الإنترنت أو دليل الهاتف، أو الزيارات الميدانية ومراقبة الأماكن المستهدفة ورسم خارطة للموقع ومدى بعد وقرب المكان من مقار الشرطة ومن الجماهير وذلك بحسب طبيعة النشاط.

- تبادل المعلومات: ويتم بين أفراد المجموعة عبر مختلف الوسائل ومنها الإنترنت والقوائم البريدية ورسائل اس ام اس المشفرة . كما يمكن الحصول على معلومات عن أي مؤسسة بإرسال السؤال لها عبر الإنترنت وانتظار الرد بعد أيام، ويمكن كذلك الاحتفاظ ببعض المعلومات الهامة والمتعلقة بالمجموعة! على شبكة الإنترنت بسبل متعددة. كما يعد الإنترنت وسيلة هامة للاتصال بح ركات العصيان في كل أنحاء العالم لتبادل الخبرات. كذلك يستخدم الهاتف الجوال (المحمول) في الاتصالات السريعة ويتمالاتفاق مسبقا على شيفرة معين لاستخدامها فى المحادثةللحفاظ على امن المجموعة .

4- تحضيرات نفسية: وتتركز عادة في كسر حاجز الخوف من عواقب العمل. وتأكيد عدالة القضية، وتعزيز الشعوربإمكانية الفعل. ويقول بير هيرنجرين عن أحد الحركات المهتمة بنزع الأسلحة التدميرية:

'. نحن نحاول نزع سلاح مخاوفنا الخاصة.

·كما أننا نحاول أيضاً نزع سلاح جدران الحماية الأخرى التي بنيناها لنتجنب المخاط! ر الشخصية.

·كما أننا نحاول نزع سلاح العنف والقمع والاضطهاد الذي قد يوجد داخل المجموعة نفسها.

·وفي النهاية فنحن نحاول – من خلال أنشطتنا – نزع سلاح العنف والخوف والشك من المجتمع.

نحن نحاول التغلب على مخاوفنا لاكتساب الشجاعة لممارسة العصيان المدني، وحتى حينها يظل الخوف موجوداً. ونحن لا نقاوم الظلم والقمع والاضطهاد لكي تختفي النزاعات ولكن حتى يمكن التعامل مع النزاعات من خلال العمل الحر.

. دمتم فى حفظ الله ورعايته