السبت، 26 مايو 2012

سنوات أربع: إما النهضة أو المسمار الأخير في نعش الإخوان

أحد إنجازات الثورة تحديد فترة الرئاسة باربع سنوات، و هذا أمر يجب ألا ننساه و حيث ان المؤشرات الأولية للإنتخابات تشير بشكل كبير إلي إمكانية فوز مرشح الإخوان ... و مما لا شك فيه أنه بالرغم من تفوق د/محمد المرسي إلا أن النسب التي حصل عليها أقل بكثير مما حصل عليه الإخوان في الانتخابات البرلمانية، مما يدل على هبوط أرصدة الإخوان لدى جموع المواطنين، و بالرغم من ذلك فإن هناك الكثير ممن لم يرغبوا في تولي الإخوان السلطة إلا أنهم يروا أن تولي مرشح الإخوان مع معارضتهم له أفضل بكثير من فوز الفريق أحمد شفيق أحد أعمدة النظام السابق و رئيس وزراء موقعة الجمل.



"مشروع النهضة" اسم قوي لمشروع مدته ستة عشر عاما، و وعود بنهضة مصر و تحسين الأحوال الإقتصادية و الإجتماعية و خلافه، و لنفترض أن الأمر قد حسم و تولى د/محمد المرسي الرئاسة، عندها سنجد أمامنا فريقين، فريق أعطى صوته لمرشح الإخوان تعلقا بهذه الوعود و ثقة في هذا المشروع، و فريق أعطى له صوته على مضض فقط رغبة في خسارة الفريق أحمد شفيق المحسوب على النظام السابق و سيظل يعارض منهج الإخوان.


الأمر المؤكد أن الجميع سينظر بترقب لأداء الرئيس المنتظر و ماذا سيفعل لصالح الشعب المصري، و لهذا فإن فوز الإخوان بالرئاسة لا يعني إنتصار نهائي، فكما قلنا سابقا إن الفترة الرئاسية سنوات أربع بعدها إنتخابات أخرى يكون الشعب عندها عرف ما هو الرئيس و مدى صدقه في وعوده.


أما الدستور الذي لم يوضع بعد، و الذي أقر مجلس الشعب قانون إنتخاب الجمعية التأسيسية في توقيت الجميع منشغل فيه بإنتخابات الرئاسة و نتائجها، فإن ذلك الدستور سوف يعرض على الشعب في إستفتاء عام، و التكهنات بأن كتلة الإخوان ستضع في الدستور موادا لصالح تطلعاتها السياسية حتى و إن صدقت فإن الشعب سيرفضها في الإستفتاء، ذلك الشعب الذي صار أكثر وعيا و ثقافة سياسية من ذي قبل.


لذلك أقول لكل أبناء وطني ممن يرفضون تولي الإخوان الرئاسة: لا تحزنوا، لعله خير و ما هي إلا سنوات أربع فإما النهضة أو المسمار الأخير في نعش الإخوان


الخميس، 24 مايو 2012

معايير إختيار الرئيس بين الإستقلالية الفكرية و الوعي السياسي

تعيش مصر الأن حالة من الترقب في إنتظار إختيار رئيسا للجمهورية تباينت فيها الأراء و الوسائل الدعائية التي تتراوح بين الوعود بتحسين الحالة الإقتصادية و إعادة الأمن و بين استخدام الخطاب الديني للتأثير على البسطاء الذين لا يرغبون إلا في رغيف العيش و لنذهب إلي أحد المناطق الشعبية في حي دار السلام بالقاهرة لترى وجوها أرهقها العمل تبحث عن الرزق فهذا يفترش الشارع يبيع لعب الأطفال الصينية الصنع، و هذا صبي يقود "توك توك" ينقل به الركاب من المترو إلي المناطق العشوائية التي لا تستطيع المواصلات العادية السير فيها، أما هذه فهي "الست أم حسن" التي قاربت الستين من عمرها جلست بملابسها السوداء المهلهلة تتصبب عرقا من حرارة الجو و هي تبيع الخضروات و تقوم بتقطيع بعضها و تجهزها في أكياس انتظارا لمرور الموظفات القاطنات بالمنطقة للشراء منها و سألتها "هتروحي تنتخبي الريس يا ست أم حسن؟"..."طبعا هأروح أمال إيه" هكذا قالت فسألتها "و يا ترى هتنتخبي مين و ليه؟" فقالت: ( مرشح للتيار الإسلامي) .. "عشان حال البلد ينصلح ده راجل بتاع ربنا و هيوفرولنا المعايش بالرخيص و إحنا واخدين منها إيه غير لقمة و هدمة و نومة"

بتلك الكلمات البسيطة عبرت "الست أم حسن" عن أحلام الكثير من الفقراء الذين لا تتجاوز طموحاتهم مكان يأويهم و ملابس تسترهم و طعام يقيم أجسادهم، و ننتقل إلي دكتور مصطفى ياسين، و هو مدرس جامعي يقول: "أنا مقتنع جدا ب (اسم مرشح وسطي)، بس لأني شايف فرصته قليله هأدي صوتي ل (مرشح للتيار الإسلامي)"

بينما تدخل أحد الشباب الثائر قائلا "هأدي صوتي ل (اسم مرشح ليبرالي) حتى لو كنت أنا الشخص الوحيد اللي هيديله صوته"

و هكذا تباينت الأراء بين من قرر أن يعطي صوته لمن يعتقد أنه سينجح، لا لمن يريده أن ينجح، و أخرون متمسكون بمرشحيهم و إن كانت فرصتهم في النجاح ضعيفة، و على الحياد وقفت مجموعة أخرى تراقب في حيرة لا تدري كيف تختار .
جانب من طوابير الإنتظار للإنتخابات الرئاسية بحي المعادي بالقاهرة 23 مايو2012
و في اليوم الأول للإنتخابات الرئاسية في إحدى لجان حي المعادي تجولت في طوابير الإنتظار الطويلة في محاولة لمعرفة معايير إختيار الرئيس القادم لدى من حضروا للإدلاء باصواتهم.


قال سعيد محمد الذي أختار مرشح ينتمي للتيار الإسلامي: "إحنا عانينا من الفساد علشان كانوا حاكمينا ناس ميعرفوش ربنا، أنا مايهمينيش برامج و لا غيره، كل اللي يهمني يحكمنا واحد يتقي ربنا و يراعي الفقرا علشان كدة أخترت مرشح الإسلاميين"
و على الجانب الأخر قالت سلوى مصطفى التي اختارت مرشح ليبرالي من وجهة نظرها:"كلنا مسلمين، و احنا شفنا الإسلاميين معملوش حاجة لما مسكوا البرلمان، عايزين واحد زينا مش يقفلها علينا و يكوش عالسلطة"
و بسؤال إبراهيم ناجي عضو المكتب التنفيذي بإتحاد شباب الثورة: "لا يوجد برنامج واضح للإختيار، و الإشكالية الحقيقية أن الأمور تدار لصالح الوصول للسلطة و ليس لصالح المجتمع حتى أن الثورة باتت نوع من أنواع المزايدة الإنتخابية و المشكلة الحقيقية أننا مجتمع عانى حالة من الإنغماس العام في أليات نقل السلطة و لم يدير نقاشا عاما حول المشاكل الحقيقية في المجتمع، في الجوانب الإقتصادية و الإجتماعية، في جوانب الأمن القومي و مستقبل الدولة"
و بالنسبة لأراء بعض أعلام المجتمع من الفنانين و السياسيين قال الفنان أشرف عبد الغفور نقيب الممثلين "أن الإتجاه نحو المرشح الأقوى هو منطق مغلوط، و طالما أن الشخص مقتنع بمرشح معين يجب أن يتجه له، و يحث الأخرين لترشيحه بمعايير موضوعية. لكن إذا قال كل شخص أنا سأختار من أتوقع له النجاح فإنه بذلك يساعد على عدم نجاح المرشح الذي يريده".
من ناحية أخرى أختلف مع هذا الرأي دكتور أيمن نور رئيس حزب غد الثورة و المرشح المستبعد من السباق الرئاسي قائلا "إن محاولة إختيار مرشح له فرصة كبيرة في النجاح جزء من الوعي السياسي حيث أن المواطن لا يريد أن يهدر صوته على مرشح بعيدا عن فرص النجاح، و هذا نابع من رغبته في أن يشعر أنه قد أنتج من صوته رئيسا منتخبا منه شخصيا"
و حول مرشحين الثورة قالت الكاتبة المعروفة الأستاذة سكينة فؤاد: "بالنسبة للناخب الذي يريد أن يختار مرشح يعبر عن الثورة، أنا أفضل لو كان من مجموعة الثورة نطاق به كتلة تصويتية حتى لا تتفتت الأصوات، إذن طبعا في المقدمة أن أختار من أثق أن لديه برنامج، لديه تاريخ، لديه إنتماء للثورة، لديه ما يمثل مصر الجديدة، لديه ما يمثل أهداف الثورة و أحلام مئات الثوار، إذا إضيف لهذا المرشح الذي تتوفر له هذه المقومات، الكتلة التصويتية التي تضمن أنه يستطيع أن يحصل على أرقام عالية و متقدمة في السباق الرئاسي، و أن يدخل التصفية الأولى و أن يدخل التصفية الثانية، بدون شك يؤيده الناخبون"
بينما أفاد دكتور أحمد مهران الخبير القانوني و مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية و القانونية: "أن معايير الإختيار لمن يصلح رئيسا لمصر لابد أن تكون مبنية على معيار الكفاءة، و معيار القدرة على خلق الإمكانيات و الوسائل و الأدوات التي تمكنه من إصلاح أحوال مصر، و تغيير أوضاعها و إدارة شئونها الداخلية و الخارجية بكفاءة و سهولة و يسر، و من أهم الوسائل التي تساعد على رفع الوعي السياسي هو الإعلام، فالإعلام عليه دور كبير جدا في توعية المواطنين عن معايير الإختيار، و مكان الإنتخاب، و كيفية الإختيار بنوع من الحيادية و نوع من الإتزان، و نشر الوعي السياسي و الثقافة القانونية لدى المواطن المصري، حتى إذا ما أختار كان إختياره مبنيا على معيار موضوعي أساسه الكفاءة"
و مع تباين الأراء بين هذا و ذاك تبدو ثقة أغلبية الشعب المصري في أهمية صوتهم الذي كان مدفونا عقودا طويلة، و حتى مع إختلاف درجات الوعي السياسي بينهم فإنهم باتوا يدركون أن لهم دورا أساسيا في بناء مستقبل مصر التي تعيش حالة من الحراك السياسي المستمر، و يبقى الصندوق الإنتخابي هو الفيصل في تحديد من سيكون رئيس الجمهورية القادم.

الجمعة، 18 مايو 2012

فتاة المترو

مترو الأنفاق من أكثر وسائل المواصلات إستخداما في القاهرة... لكن عند البعض هو ليس فقط وسيلة للمواصلات...



يقترب المترو من الرصيف و أمام العربة المخصصة للسيدات تتدافع الفتيات و السيدات للركوب قبل صفارة إغلاق الأبواب. بينهم تلك الفتاة السمراء النحيلة التي لا تتعدى العشرون من عمرها و تحمل شنطة ضخمة و ما أن تغلق الأبواب حتى تفتح شنطتها و تستخرج منها بعض البضائع تحملها بحرفية على يديها و تضع شنطتها جانبا ثم تشق طريقها وسط الزحام تنادي "طقم مفارش التلاجة 7 قطع يحافظلك على تلاجتك بخمسة جنيه، مفرش السفرة البلاستيك أي شكل و أي لون ب 7 جنيه...." و تستمر في سرد بضاعتها و أسعارها و مزاياها بصوت جهوري عسى أن يشتري منها أحد، .... يقترب المترو من المحطة التالية فتصمت و تقف كباقي الركاب خوفا من أن يراها أحد أفراد شرطة المترو فيطلبون منها غرامة، في هذه الأثناء يدخل المترو مجموعة أخرى من الركاب بينهم فتاة أخرى ترتدي جينز و بلوزة بسيطة و تحمل حقيبة متوسطة الحجم تبدو و كأنها طالبة جامعية، و بعد إغلاق الأبواب و بحركات مترددة تقوم تلك الفتاة بفتح حقيبتها فتخرج منها مجموعة من إكسسوارات الشعر و ميداليات و دبابيس للحجاب ثم تتكلم بصوت ضعيف و كأنها تتحدث مع زميلة لها "حد ياجماعة عايز توك شعر أو دبابيس طرحة..." و الغريب أن صوتها الضعيف و أسلوبها المتردد قد أثار إنتباه بعض الراكبات اللائي ألتفتن إليها ليروا من أين يأتي هذا الصوت، و عندئذ إنطلقت نحوها الفتاة السمراء التي كانت تعرض بضائعها سابقا و قالت لها "إنتي مالك ياختي بتكلمي بالراحة كدة ليه –شكلك جديدة- أنتي كدة عمر ما حد هيشتري منك ..هاتي ..هاتي" قالت ذلك و هي تأخذ من يديها ما تحمله من بضائع و تركت بضاعتها هي و نادت "معايا توكة الشعر بجنيه، ميدالية الفضة بجنيه، دبابيس الطرحة السحرية... يالا يا بنات، يالا يا ستات" و علقت إحدى الراكبات "أيام سودة البنت شكلها تلميذة و بتحاول تساعد أهلها"


ثم بدأ بعض الراكبات يطلبن البضائع فتنادي إحداهن "فرجني التوك اللي معاكي" و اخري "هاتي علبة دبابيس... و هكذا


كانت الفتاة صاحبة البضائع تنظر في ذهول و قد كسى وجهها حمرة الخجل، و ظهر في عينيها الألم لأنها أضطرت لذلك العمل.. و بينما هي كذلك لا تدري ماذا تفعل نادتها الفتاة الأخرى "يالا أتنحرري شوية طلعي بضاعة تانية"


و بينما استعدت الفتاة لتطبيق مهارات التسويق التي بدأت تتعلمها من زميلتها دخل المترو صبي يحمل المناديل الورقية و أنطلق في المترو "600 منديل ب 2 جنيه .. و خمسه بعشرة جنيه.. يالا المناديل و لا نمسح كم العباية و لا كم الفستان و لا والنبي هاتي منديل يا أم فلان.."


و هنا جاءت الفتاة الأولى للفتاة الجديدة و ناولتها باقي البضائع و الأموال التي باعتها بها و قالت "شايفة الولا بيستظرف إزاي.. هو ده اللي بيخلي الناس تشتري يالا شدي حيلك، و أضحكي ... حلي لنفسك العيشة، محدش واخد منها حاجة... سلام بقى أنا رايحة عربية تانية"


فلملمت الفتاة بضاعتها و حملت حقيبتها و خرجت من المترو...


مر عدة أيام و على رصيف المترو و أمام العربة المخصصة للسيدات تتدافع الفتيات و السيدات للركوب و معهم تلك الفتاة و بعد إغلاق الأبواب أخرجت الفتاة بضاعتها و بإبتسامة تعلو وجهها و صوت يختلف عن المرة الأولى أنطلقت تنادي..."يالا يا بنات معايا توك الشعر كل الألوان ..يالا يا حلوين معايا التوكة اللي هتخلي العجوزة صبية و الفلاحة مصرية...."